جعلوني وزيرا !
ذهب إلى ديوان الوزارة ليلملم أوراقه ويجمع بعض متعلقاته الموجودة بالمكتب فقد تم إعلان التشكيل الوزارى الجديد دون وجود اسمه فيه، ذهب وحيدًا بعدما انسحب طاقم الحراسة ليتولى مهمة حراسة الوزير الجديد، دخل مكتبه وفى عينيه بريق لا تخفيه النظارة الطبية التي يرتديها، وفى مكتبه توافد عليه القليل من طاقم مكتبه وبعض الموظفين الذين حرصوا على توديعه، نعم فقد صمتت هواتفه التي كان تملأ الأرض ضجيجًا وبدأ حديث الصحف وأبواق الإعلام في الخفوت، وراح زمن الاجتماعات واللقاءات المتواصلة، يعود الوزير السابق إلى منزله فيجد أن الحراسة المكلفة بحماية منزله قد غادرت بلا عودة يتوجه إلى سريره لنوم قد يمتد لساعات طوال بعدها يستيقظ ليجلس وسط عائلته التي افتقدته طوال فترة تكليفه بالمنصب، هذا هو حال بعض الوزراء المستبعدين من التشكيل الوزارى.
المناصب الوزارية أصبحت بالفعل تكليفًا بمهام ثقال وليست تشريفًا لذا فإن المرشحين للحقائب الوزارية يترددون كثيرا في قبول المنصب الوزارى الذي يستدعى عملا دءوبًا دون كلل أو ملل، نعم الأمور الآن ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض فالظروف الراهنة لها انعكاساتها على قطاعات الدولة المختلفة.
وللحقيقة أنه مع كل تعديل وزارى نشعر أن الحكومة تقوم بالتعديل في اللحظات الأخيرة وتتداول الأخبار عن ارتباك في عملية الاختيار ولا أدرى لماذا اختيارات اللحظة الأخيرة؟ لماذا لا يتم إعداد قوائم خاصة بكل وزارات الدولة تضم مرشحين ذا كفاءة يخضعون للفحص لمدة عدة أشهر من قبل الجهات الرقابية والحكومة تمهيدًا لترشيحهم لمناصب وزارية ويكون ذلك قبل التعديل بفترة كافية.
وفى ذات الوقت علينا أن نعطي بعض الوزراء الفترة الكافية لتنفيذ أجندتهم فليس من المنطقى تغيير وزير كل 5 أشهر قبل أن تظهر كراماته، كما يجب أن تكون هناك آليات فاعلة لتقييم عمل الوزراء فنحن لا نمتلك رفاهية الوقت الإضافي.
وتقول الدكتورة هنادى عبدالله الحملى في مقال لها بجريدة الأنباء الكويتية بعنوان "معايير اختيار الوزراء والقادة" عن معايير جادة وضرورية في اختيار الوزراء ما نصه: "ومن المعايير أن يكون قد عمل في الوزارة التي سيعين عليها لكي يكون ملمًا بدقائق ومهام الوزارة وعارفا بالمشكلات التي تواجهها ومدركا لتوازنات القوى فيها، وإذا كان من خارجها فيكلف بالعمل فيها عاما واحدا أو ستة أشهر على أقل تقدير قبل أن يكلف وزيرا ليتعرف على مهام الوزارة ويرسم له استراتيجية، لأن الوزير الذي لم يسبق له العمل في نفس الوزارة سيستغرق عدة أشهر إلى أن يتعرف على مهامه، وعدة أشهر ليتعرف على مشكلات الوزارة، وأشهر ليرسم الاستراتيجيات، وأشهر يجرب ويخطئ وتذهب سنوات ولا يقدم فيها للوزارة أي خدمة أو تطوير نوعي ومن المعايير كذلك، أن يكون قد سبق له أن تولى مهام إدارية لأن الوزير الذي لم يتول أعمالا إدارية تنقصه جوانب فنية في الإدارة وستكون مهارات الاتصال مع الجمهور لديه ضعيفة لأن الإدارة وإن كانت مكتسبة إلا أنها فن يدرس وتجارب متراكمة يستفاد منها".
في حين يرى البعض الآخر أن الوزير منصب سياسي لا يتطلب بالضرورة أن يكون قد شغل مناصب إدارية من قبل ويستدل على ذلك بنماذج ناجحة من الوزراء السياسيين.
وأرى هنا أن بعض الخبرة الإدارية للوزير مطلوبة ولو كانت سابقة في قطاع خاص أو حكومي غير مماثل هذا فضلا عن معايير الشرف والنزاهة والتخصص العلمي والحالة الصحية والنفسية وضرورة موافقة الجهات الرقابية وهذا ليس ترفًا في ظل الظروف الراهنة.