رئيس التحرير
عصام كامل

ألغام مكشوفة في لقاء ترامب ونتنياهو!


كان كلاهما، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يهودي الهوى والنسب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المشهور بتسويق الأكاذيب بنيامين نتنياهو، في حال من الانتشاء على نحو غير مسبوق، ومضى كلاهما يؤكد ولعه وشغفه بالطرف الآخر.. ذلك منطقي للغاية بين رجلين متطرفين، لهما عدو مشترك هو إيران والدولة الفلسطينية التي لم تتحقق بعد!


وقبل أن نمضي في تحليل البيان المكتوب لكليهما أمام الصحفيين أمس في البيت الأبيض، يلفت النظر ما أوردته وكالة الأنباء الأمريكية أسوشيتدبرس من أن إلقاء الكلمات سبق إجراء المباحثات!

والمعروف أن القادة يتباحثون عادة، يتفقون ويختلفون، ثم يخرجون إلى مؤتمر صحفي، يلقي كل قائد بكلمته ثم يتلقيان الأسئلة من وسائل الإعلام.

في حالة ترامب ونتنياهو جرى العكس، بل جرى أن فاجأ ترامب ضيفه المنتشي بطلبات على الهواء خاصة ببناء المستوطنات وخاصة بفكرة البحث عن حل لعقد اتفاق سلام بين الأمتين وقال the two nations.

هناك حزمة من الملاحظات الأولية تشير إلى مواقع الألغام في كلمتي الرجلين:
١- أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسقط تماما الكلام عن حل الدولتين في كلمته، وتحدث عن سلام وصفقة أكبر يتم الإعداد لها، وكانت الإشارة هنا غامضة، وأظن أن الغموض مقصود، لتقديم جزرة وهمية يهرول وراءها الفلسطينيون والعرب ! في الوقت ذاته قال إنه سيرحب بأي اتفاق يتوصل له الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني وسوف يسعده ذلك.

٢- أن الرئيس الأمريكي طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي تعليق بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية لفترة وجيزة.. أي أن البناء ممكن لكن يجب إرجاؤه لوقت لا يعلمه سواه !

٣- أن الرئيس الأمريكي أكد ضمان أمن إسرائيل في مواجهة إيران والإسلام الراديكالي، وتعهد بمنع طهران من تطوير السلاح النووى، وعاد وأكد كلمته بشكل مسرحي لافت، ارتاحت له أسارير نتنياهو.

٤- في معرض إشارته إلى صيغة صفقة أكبر تشمل أطرافًا عديدة في المنطقة العربية، بدا نتنياهو كالمأخوذ حين طالبه ترامب بغتة وأمام العالم بأن يفعل شيئًا وأنه مفاوض عظيم، فأحرج نتنياهو وعلق على ذلك ترامب بأنه غير متفائل وضحكا معًا.. لما قال نتنياهو: هذا فن التفاوض.

٥- أن نتنياهو ركز على أن المستوطنات اليهودية التي يأمر بانتشارها في أراضي الشعب الفلسطيني ليست جوهر الأزمة، بل المشكلة هي في عدم اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية وأن وجود دولة في الضفة يعنى وجود الإرهاب على حدود إسرائيل، ومن ثم اشترط أن تكون لإسرائيل السيطرة الكاملة على الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية.

٦- اعتبر نتنياهو أن التطورات الدرامية الدموية في المنطقة العربية جعلت دولا عربية عديدة لا تعتبر إسرائيل دولة عدو، وتتعامل معها وتنسق وتتواصل، ومن ثم فإن بناء اتفاق إقليمي تنسق له وتدعمه إدارة ترامب، سوف يفتح الطريق إلى اتفاق سلام، مع الشعب الفلسطيني دون الحاجة إلى الأخذ بحل دولة فلسطينية تجاور الدولة العبرية ! أي أن العرب هم من سيفرضون السلام مع أمريكا على الفلسطينيين، وتلك مغالطة تاريخية ومنطقية كبيرة لأن القضية الفلسطينية وحلها بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، هي أساس السلام الشامل الكامل بين كل العرب وإسرائيل.

مغالطة أخرى تطيح بأي منطق، هو أن السلام مع الشعب الفلسطيني، لا يقتضي إقامة دولة فلسطينية !

بالطبع جرى تركيز على إيران، سواء في المؤتمر الصحفي أو فيما تلاه في المباحثات، وقبلهما جميعا منذ وطأت قدما نتنياهو أرض الولايات المتحدة الإثنين الماضي، واللقاءات مع تيلرسون وزير الخارجية وأعضاء في الكونجرس ووكالات الاستخبارات بالقطع، على أن الموضوع الإيراني بالذات هو مدخل أمريكا وإسرائيل لاجتذاب الموافقة العربية على حل إقليمي وليس حلا فلسطينيا، بل هو حل يتجاوز القضية الجوهرية، ويقبل بما أتيح درءًا لتهديد نووي إيراني للخليج ستعصف به أمريكا وإسرائيل لحساب العرب والأخيرة من باب أولى.

في النهاية يمكن القول إن هذا المؤتمر الصحفي الغريب، هو الفصل الأول في كتاب التوتر المرتقب في الشرق الأوسط، ربما تنجر إليه مصر جرا، أو تنشط دبلوماسيتها وقوة رئيسها، لكبح جماح المتطرف الأمريكي والمتطرف الإسرائيلي.. والآن على العرب أن يثبتوا حضورهم الغائب في أروقة واشنطن حتى لا تكون المصائر العربية كعكة تحت سكين وشوكة رجلين جمع بينهما الجموح والتطرف.
الجريدة الرسمية