رئيس التحرير
عصام كامل

..وخرج مدير المخابرات الحربية عن صمته


ربما تبادر إلى أذهاننا جميعا، نحن حضور الندوة التثقيفية الرابعة والعشرين بنادي الجلاء بالقوات المسلحة، تساؤل وحيدٌ وهو: «لماذا خرج مدير إدارة المخابرات الحربية اللواء محمد الشحات عن صمته.. وتحدث بالأرقام والأسماء والوقائع حول واحدة من أهم القضايا التي تواجه الأمة المصرية في هذا الوقت العصيب؛ ألا وهي قضية مواجهة التنظيمات الإرهابية بسيناء»؟.. فقد كان خروج الرجل عن صمته ذا دلالات مهمة، خاصة وأنه بدا واثقا من قدرات بلاده على المواجهة بلغة عربية سليمة، وهدوء يحسد عليه وفق معلومات دقيقة لا تهوين فيها، ولا تهويل.. ألا وهي لغة الأرقام والوقائع والمستندات الدامغة.


إدارة المخابرات الحربية هي رأس السيف في مواجهة الآفات الضالة التي تهدد الأمن القومى المصري، وهي صاحبة أداء رفيع في مهامها وفق دقة متناهية، ولعل الزملاء الذين خاضوا فيما قاله اللواء محمد الشحات، لم يلتفتوا إلى واحدة من أهم النقاط التي أثارها الرجل، وهي المعايير الحاكمة لجيش بلادنا في المواجهة القوية لقوى الظلام، خاصة «وأن كل شيء محسوب ارتباطا بمنهج قوات محترفة».

والمعايير الحاكمة في قتال الضالين تتوافق وتنطلق من مجموعة مبادئ في الحرب التي يلتزم بها المقاتل المصري، وتندرج كلها تحت عنوان عريض هو «الشرف».. القتال الشريف الذي لا تعرفه قوى الشر في حربها ضد بلادنا، أي أننا أمام مواجهة من نوع خاص، فقواتنا لا تقاتل وفق أجندة العدو الراهن، وإنما تقاتل وفق قيم تربى عليها المقاتل المصرى؛ حيث لا مجال للخطأ أو الغدر أو خيانة الدقة.

نيران قواتنا لا تنطلق إلا إذا كانت معلوماتنا دقيقة حتى لا يصاب بريء بذنب لم يقترفه.. قواتنا تمتلك الآن قاعدة بيانات غاية في الدقة، وعندما تنطلق رصاصة فهي في طريقها الصحيح تصيب «سويداء قلوب أعدائنا» ولا مجال هناك للخطأ، وهو الأمر الذي أكد عليه اللواء محمد الشحات، مدللا بعدد من الوقائع والمستندات الدالة على شرف الجندية المصرية، وهي تخوض حربا ضد من«لا شرف لهم ولا عهد ولا دين».

الأمر الثانى أن مدير إدارة المخابرات الحربية كان حديثه مركزا إلى أقصى درجة.. دقيقا ومذهلا ودالا على حجم ما بذلته إدارته بالتعاون مع جهات أخرى استطاعت في فترة وجيزة، أن تجمع معلومات وفيرة حول ماهية الإرهابيين ومواقع تموضعهم وحصارهم.. وقصة حصار الإرهاب وعناصره، كما وردت في محاضرة اللواء الشحات من القصص عابرة الحدود بعيدا عن تصوراتنا المحدودة.

حصار الإرهابيين استلزم من القائمين على الأمر، تجفيف منابع التسليح والإمداد ودخول عناصر أخرى من حدود مترامية الأطراف، أي إن العمل المعلوماتى فرض على رجاله أن يقوموا بما هو مطلوب حتى لو تعدى حدود الدولة، ليس فقط في الأنفاق التي نتابع جرائمها يوميا، وإنما وصل إلى آفاق أبعد من ذلك سواء كانت دعما بشريا أو ماديا أو لوجستيا.

ثالث الأمور؛ ما عرضه اللواء محمد الشحات حول الإستراتيجية المعتمدة في مواجهة الإرهاب، وأخص منها التركيز على التنمية.. تنمية سيناء على اعتبار أن الشيطان الإرهابى لا ينبت في أرض مزروعة، والزرع هنا بمعناه المجازى، فعندما تتطور الأرض التي كانت خصبة لنمو جماعات العنف فإن الإرهاب يتراجع، ويصبح الأمل هو العنصر الذي تلتف حوله الجماهير أيا كانت.. الأمل يطارد اليأس ويواجه العناصر الظلامية، ويئد الأفكار الهدامة.. وكلام اللواء الشحات أيقظ في نفسي ذكريات مدهشة مع الراحل العظيم الدكتور عبدالرحيم شحاتة، عندما اُختير محافظا للفيوم في وقت عصيب اشتد فيه عود الإرهاب ببعض القري التي حاصرها الجوع والفقر والعوز والحاجة.. كانت قوات الأمن تقوم بواجبها وتداهم القرى ليلا، وكان هو يداهم الفقر فجرا.. كان يحلم ببناء الأمل أمام الشباب الضائع الذي تلقفته أيادى الإرهاب الغادرة.

كان عبد الرحيم شحاتة (عليه رحمة الله)، يؤمن بأن اليأس لا يولد إلا في نفوس محرومة.. ذليلة.. يحاصرها الجوع وينخر الجهل في عظامها، وهذا ما أشار إليه رجل عسكري في موقع المسئولية، عندما تحدث عن محور التنمية الذي تعكف الدولة بكل أجهزتها على العمل فيه على أرض سيناء المنسية.. والتنمية عندما يتحدث عنها رجل المخابرات الحربية فإن هذا يعني أن المواجهة لا تتم بالبندقية وحدها، وهذا أمر محمود ومنحى يجب الإشادة به.

قال اللواء الشحات الكثير مما لا يجب أن يقال، غير أن خروجه عن صمته، والصمت من أهم أدوات رجل المخابرات، إنما يحسب له حتى يعرف القاصى والداني ماذا يحدث على أرض بلاده، وإلى أي مدى يضحي الوطن بدماء أبنائه من أجل أن يحيا الجميع حياة مستقرة، فتحية من القلب إلى كل أبطالنا المرابطين ببنادقهم هناك في قلب سيناء المقدسة.
الجريدة الرسمية