رئيس التحرير
عصام كامل

هل ترامب رجل مجنون فعلا؟!


السؤال الذي طرحته عنوانًا، هو سؤال الساعة في كل العالم، عدا إسرائيل بالطبع، فهى تراه سيد العاقلين، وهو سؤال كل دقيقة وكل ثانية تمر على مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، فالكل يلقي السؤال ويلقي الإجابة في اللحظة ذاتها، بداية لا بد من الاعتراف أننا جميعًا مجانين، لكن الجنون درجات، ويعزو بعض علماء النفس لحظة ارتكاب جريمة القتل أنها لحظة فارق فيها العقل رأس الجاني، ولهذا لا تطبق دول وولايات أمريكية عقوبة الإعدام.


لكن ما هى المؤشرات والعلامات على جنون الرئيس الأمريكي الجديد؟ لا توجد علامات على سلوكيات خارج نطاق العقل، فهو مثلًا لم يخلع هدومه ليرقص عاريًا، ولم ينطلق في الشوارع حاملًا الحقيبة النووية، يهدد بضرب الروس أو الأوروبيين أو العرب، لكن يمكن القول إنه رجل لديه شعور عاتِِ طاغِِ مسيطرِِ بامتلاك أدوات القوة العظمى. دونالد ترامب ملياردير، وهو ذاق طعم الثروة، عيشة وملابس وسكنًا وطعامًا ونفوذًا وحلولًا لكل المشكلات، الفلوس كانت وتبقى سلاحه المختبر، بل كانت وراء شهوته للجمع بين السلطة والثروة والنساء، والآن يدرك من يسمونه المجنون حجم وكثافة قوة النيران بقبضته، وحجم ووطأة ثلاثين كلمة يغرد بها على تويتر فتهتز لها وزارات خارجية وعروش.

هو لديه حلم، وتحت يديه أسباب وإمكانيات تنفيذ الحلم، وإحساسه الطاغي السابغ بأنه الآن في موقع السلطة لأربع سنوات، يطمح في تجديدها، وعليه ألا يهدر ثانية واحدة بدون أن يغيب عن مسرح الأحداث، وهكذا جعل من المنضدة الصغيرة والجلسة الشهيرة، وربطة العنق الحمراء، والشعر البرتقالي المصبوب، والعشرة موظفين من خلفه، وواحد يناوله ورقة القرارات، قرارًا بعد قرار، ويمضي في التوقيع، على كل قرار، كمن يهوي بسكين على عنق ضحية، أعني أنه يمارس بهذه الطقوس لذة معاشرة السلطة على الهواء مباشرة.

لكن من الحق ألا يوصم الرجل بأنه جانحًا جامحًا، لا يفكر، فمن صنع المليارات ليس بغبي أو أحمق، أو مندفع، وتظهر لنا محاورته مع إعلامي أمريكي أنه فكر في إمهال المسافرين إلى الولايات المتحدة شهرًا، لكن مسئولي الأمن والهجرة رفضوا المهلة، فاقترح أسبوعًا، فرفضوا وبينوا له أن الشهر أو الأسبوع سيكونان فرصة لسيل من المهاجرين والمسافرين يتزاحمون على أبواب الولايات المتحدة، في المطارات والموانئ وعلى الحدود مع المكسيك.

وهكذا اضطر لإصدار الأمر التنفيذي بحظر دخول اللاجئين تمامًا، وحظر دخول مواطني ست دول عربية إلى جانب إيران إلى بلاده.

وشأن أي مسئول عن دولة كبرى أوصغرى، فإن الهاجس الأمني هو ما يشغله، وهو ذهب في مقته وغضبه من القضاة الفيدراليين إلى حد التحقير، واعتبر أحكامهم بتعطيل قراره أمرًا يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، في تصريح نادر كاشف له، يوم الأربعاء، على شبكة ABC الأمريكية قال إن المحاكم مسيسة جدًا، ولا بد من حل، لأن الوضع يخص أمن أمريكا وأمن أمريكا مهم جدًا.

وقبل يومين وصف القاضي الذي عطل مرسومه الرئاسي وسمح بدخول المسافرين العالقين بالمطارات الأمريكية بقوله: ذاك الشخص الذي يسمونه قاضيًا..

رأس الدولة الأمريكية مقبل بلا هوادة على معركة خطيرة العواقب، تمثل أول وأوضح صدام علني مباشر بين السلطة القضائية وبين السلطة التنفيذية، التي ترى القضاء خطرًا على أمن البلاد، قال أيضًا: أطلعت على التقارير، حقيقي الخطر أكبر بكثير مما يدرك الأمريكيون، قرار الحظر سلاح، تم تعطيله لكننا سنعتني بالأمر، سنعتني بالأمر.

أضف إلى صراعه مع القضاء الفيدرالي وازدرائه لقضاة، كرابيجه اليوميه اللاذعة اللاسعة ضد الإعلام الأمريكي الذي يتهمه دومًا بالكذب والتحريف.

الجنون الحقيقي هو أن تحارب على عدة جبهات في آن واحد بذات القوات، والجنون الحقيقي أن تتصور أن بوسعك هزيمة أو إخضاع مؤسسات النخب في واشنطن، لأنها مترسخة في مصالحها ومكاسبها ومكانتها.
بهذه الشروط إذن يمكن القول إن ترامب ينتحر سياسيًا، وربما جسديًا، بيده أو بيد مجهول.
الجريدة الرسمية