رئيس التحرير
عصام كامل

محمد صلاح وشريف إسماعيل.. فريقان مُتضادان


لماذا يعشق المصريون منتخبهم القومي ولا يعشقون منتخب الحكومة؟
في كرة القدم أنت حر الاختيار، قد تختار تشجيع الأهلي بسبب إنجازاته، أو تختار الزمالك بسبب الكرة الحلوة، وإن كنت بورسعيديًا ستختار بلا شك أن تشجع فريق المصري لدواعٍ قبلية أو إحساس بالانتماء أكثر، وقد تكون إسماعيلاويا لأن لاعبيه من أهلك وجيرانك.. ونعشق جميعًا منتخب مصر لأنه منتخب قومي يختاره المدرب ممثلا عن كافة الأندية، لا فرق في ذلك بين أهلي وزمالك.. إسماعيلاوي أو مصراوي، فالمنتخب قومي بالمعنى الحرفي.


مدرب المنتخب يضع شروطًا لاختيار لاعبيه.. هذه الشروط يعلمها القاصي والداني.. الخبرة والمهارة والإمكانيات هي الأساس، وكل الجماهير تشارك في ذلك ولا يمكن لمدرب أن يختار وفق هواه أو وفق منظومة مجهولة، أما منتخب الحكومة فإن اختياره عادة ما يكون مصحوبًا بمفاجآت.. الجماهير جزء من كرة القدم وليست جزءا من كرة الحكم.. الناس يدافعون عن فرقهم ولا يدافعون عن الحكومة، لأنها مفروضة عليهم ليس لهم حق الاختيار.

ومن حقك أن تختار الفريق الذي تشجعه وتتحمل في ذلك ما تتحمل من آلام وأحزان لهزيمته وتفرح وتسعد لفوزه، أما فريق الحكومة فإنه مفروض على الجميع، وبسبب ذلك لا يتحمل الناس انكسارات حكوماتهم لأنها ليست حكوماتهم التي شاركوا في اختيارها بمحض إرادتهم.. الجماهير تختار فرقها وفق إرادتها المنفردة ولا تستطيع أن تختار أحزابها؛ لأن الإرادة هنا ليست منفردة وخبرات الناس مع الأحزاب محفوفة بالمخاطر.

الناس تحفظ تاريخ لاعبيها وتفاجأ بسيرة ذاتية مع كل وزير جديد، لأنها لا تعرفه.. لم تشاهده يسجل أهدافا من قبل.. لم ترَ منه لعبة حلوة في دهاليز العمل الحزبي أو السياسي.. الجماهير تشارك مدرب المنتخب الوطني في اختيار لاعبيه، بل إن فرقًا عالمية بدأت تعتمد على جماهيرها في اختيار التشكيل، إيمانا منها بدور الجماهير في وضع حلول مثالية لكل موقعة يخوضها الفريق، أما رئيس الوزراء فإن حلوله منزلة بقرار فوقي وليس من حق الجماهير أن تشارك فيها.

في كرة القدم يحق للمشجع أن ينتقد فريقه وأداءه دون تبعات، أما في السياسة فإنه ليس من حق المواطن أن ينتقد مدرب الحكومة أو أعضاءها.. في كرة القدم تعبر الجماهير عما تجيش به الصدور في مؤتمرات عامة داخل الملاعب، وليس من حق الناس أن تجتمع لتقول رأيها في أداء الفريق الحكومي إلا بموافقات أمنية عادة لا تحصل عليها إلا بطلوع الروح..

الأب والأم.. الابن والابنة أحرار في اختياراتهم.. قد يكون الأب زملكاويا والابن أهلاويا، وكلاهما يشجع فريقه أمام التلفاز وفي غرفة واحدة.. وقد يسعد الأب الزملكاوي لأن الأهلي انتصر لأنه قدم كرة «حلوة»، أما فريق الحكومة فإنه «لا يرى غير ما يرى».. إن عارضه فريق آخر من حزب آخر فإن ذلك يعني الخيانة والعمالة وربما يصبح إرهابيًا بين لحظة وأخرى.

في كرة القدم كل شيء علني.. الأهداف علنية.. التسلل علني والقاضي يحكم بين الجميع.. صفارته هي الفيصل.. في الحكومة كل شيء سري.. الأهداف سرية.. القرارات سرية، أما القاضي فمن حقه أن يقول ما يشاء فالأمر لمجلس النواب وليس لغيره، وقد ترى الحكومة أن الحكم الذي يقضي للناس قضى بما يرى والحكومة ترى عكس ما يرى.. في الكرة يحق للحكم طرد أي لاعب يخالف القواعد، وفي الحكومة تطرد الحكومة من ترى أنه يخالف القواعد.

الناس يحفظون دستور كرة القدم، والحكومة لا تحفظ دستور البلاد.. الناس يعرفون ضربة الجزاء ربما قبل الحكم، بينما ضربات الحكومة للناس عادة ما تأتي على غير موعد وليست وفق قواعد.. ودستور الكرة لا يحتمل التأويل.. واضح.. صريح، أما دستور الحكومة فإنه غامض لا تفسره إلا المحاكم العليا.. دستور الكرة فاصل وحاسم.. دستور الحكومة ملتو ومائع.. دستور الكرة يحظى بالتزام جماهيري، بينما دستور الحكومة يحظى بتلوث حكومي.

ولأن المنتخب منتخب فإن الجماهير تعشق لاعبيه.. يضعون صورهم على السيارات وفي البيوت وعلى التيشرتات، أما الفريق الحكومي فلم نرَ مواطنا يضع صورة وزير على سيارته أو في بيته أو على قميصه، لأنهم لا يحظون بنفس الشعبية التي يحظى بها اللاعبون.. لاعبو المنتخب صناعة وطنية.. لاعبو الحكومة طينة مختلفة.. لاعبو المنتخب يبذلون قصارى جهدهم في الملعب.. فريق الحكومة يموت في النوم!!

لاعبو المنتخب يأكلون مما نأكل ويشربون مما نشرب، يجالسون الناس في الشوارع يلتقطون الصور مع الجماهير، بينما فريق الحكومة يطاردون الناس بمواكب سياراتهم.. يخشون الناس والناس تخشاهم.. لا يحبون الناس والناس تكرههم.. يجلسون في المكاتب الفارهة، بينما يجلس منتخب الناس على بساط أخضر.. لاعبو المنتخب يتعرضون للإصابات سعيًا منهم للدفاع أو الهجوم من أجل الفوز، بينما فريق الحكومة يتعرضون لأزمات صحية فقط بعد صدور قرارات باستبعادهم!

الجماهير تقيم احتفالات كبرى لوداع لاعبيها عند الاعتزال، وذات الجماهير هي التي تكسر «قلة» عند خروج الوزراء من المستطيل الأسود.. الجماهير تعشق من يسعدها وتكره من يكذب عليها!
الجريدة الرسمية