رئيس التحرير
عصام كامل

اصنعوا تمثالا للحضري


عاش المصريون على أعصابهم لمدة بلغت ١٣٠ دقيقة تقريبًا، في مباراة، بل واقعة كروية مع فريق بوركينا فاسو، حتى آخر ثانية، تحقق فيها الفوز المستحيل.. انشقت الصدور عن فيضان من الفرحة غمر الوجوه بروح جديدة.


منذ ست سنوات لم يعرف المصريون فرحة بطعم الانتصار، فرحة بطعم التحليق في سماء من العزة، فرحة مغموسة باشتياق عارم للزهو واسترداد المجد.. لقد هزمنا فريقا بارعا، متفوقا، وكان الحزن يتسلل إلينا في لحظات حتى كاد يطبق علينا ويرسل بنا حزانى إلى محارات الكآبة، غير أننا فينا ما خصنا به الله.. فينا القدرة الفذة على النهوض من تحت الأنقاض، وفينا البراعة المدهشة على اقتناص النصر في عز الهزيمة، وفينا الرغبة الجامحة للحياة.. فينا وطن يضخ في الصدور أناشيد البقاء، ويدفع بالدماء الحية الحارة إلى الشرايين والعضلات لتتحول إلى مقاتلين من الطراز الأروع.

كانت محنة وليست مباراة، وراوغنا الحظ كما يراوغ الثعلب، وتاهت الأقدام وسط زحام وارتفاعات الفريق البوركيني الذي لعب بذكاء وبخطط وبلياقة ملحوظة، وفي لحظات ساد الوجوم، غير أن الرجوات والدعوات التي شرخت الصدور تتوسل إلى الله في عليائه أن يجبر بخاطر شعب محروم من الفرح طيلة ست سنوات، بلغت قلب السماء الرحيم، فحقت علينا رحمة وبركة وانتصر الفريق المصري.

الرغبة المحققة في النصر هي الوقود والنار معا التي جعلت اللاعب العظيم عصام الحضري مصممًا على أن يبيت المصريون ليلتهم في فرح وفي سعادة.

يالله على مرارة وروعة اللحظات التي مرت ضاغطة في ضربات الترجيح.. ارتجت القاعات بكلمة: يا رب. يا رب. يا رب.. تتلوها فرحة ناطقة مع خبطات على طبول لها إيقاع ترقص له الروح، والكل يهتف باسم مصر: مصر مصر مصر.. وأتصور أن لحظة التحدي تولدت في قلب الحضري حين أدرك أن حارس مرمى الفريق البوركيني هو الذي سوف يسدد ويضرب، ليلحق به الخزي، ويكسر معنوياته.. إدراك الحضري هذا المعنى هو وحده الذي فجر قدرة إضافية فيه للمقاومة وصد الضربات.

يا الله على روعة وتفرد هذا الحب.. محسودة أنت يا غالية بحب أولادك.. يعشقونك عشق الحياة لأنك يا غالية الغاليين كل الحياة.. لأنك مصر ولم يخلق الله مصرا سواك.. افرحي يا أعز وأغلى الأوطان، وانس همومك يا مصري وعش فرحة شقت صدرك وبددت صوتك من شدة وسخونة الهتاف باسم مصر.. النصر في الكرة، أو في أي رياضة هو نصر على النفس، وإعادة اكتشاف لقدرات البدن والروح، ومعرفة القوة، واستدعاء المخزون منها، لمواجهة حالة جوع إلى السعادة.

في كل تحد رياضي أو سياسي أو أمني، تعود الروح المصرية في حال من التجلي والتوهج، وتدهش من يتابع، وتجعله ينحنى احترامًا وتسليمًا بأن هذا الشعب العظيم يستحق هذا الوطن الأعظم.

مع آخر صدة للحضري، انقلبت القاعات إلى هيستيريا حب وأحضان ودموع ورقص وموسيقى ومصر مصر مصر..
في مثل هذا الوقت من فبراير، عام ٢٠١١ كنا في حال أسود، بل حالك السواد، الفوضى والتوجس والغموض طعام المصريين.. اليوم نفرح، ونتهيأ لفرحة أكبر يوم الأحد القادم، وسنحصل عليها لأننا نريد الحياة، ونفضنا الموت والخراب، ونتجه نحو استعادة الروح الكامنة كاملة.

ما أطهرك يا بطن مصر، كل أولادك تعانقوا ونسوا مرارات الخلاف والغلاء والحروب... شكرا يا رب شكرا يا رب. ليلة سعيدة يا مصر.
الجريدة الرسمية