ابتسامة سمراء على وجه أسوان
لا زلتُ عند موقفي المؤيد لتتابع اللقاء الرئاسي بشباب مصر في كافة ربوع الوطن، ولا زلت أرى أن مؤتمر الشباب واحد من الإنجازات التي لا يمكن إغفالها مهما قيل عن المشاركات أو الاختيارات، فكلهم أبناء مصر وبهم نستطيع أن نفعل شيئا إيجابيا، وقد نقل إليّ الصديق المهندس حسام صبري، رئيس مجلس إدارة فيتو، والذي حضر كافة الجلسات روحا طيبة عمت أجواء اللقاء الشهري بمدينة أسوان.
زيارات الرئيس المفاجئة وجولاته الميدانية دون ترتيب لم تلفت نظري، فهو يعرف أن الناس تحبه ولكنه لا يعرف أن الناس تكره عزلته.. المواطنون يحبون أن يروا رئيسهم يتجول بينهم لأنهم كرهوا المواكب وكرهوا الانفصال، وبغضوا حالات التعالي التي عاشها السابقون مع الشعب.. لم ألتفت كثيرا لتلك الجلبة التي صاحبت جولة الرئيس بالحنطور، لأنه باختصار شديد رئيس منتخب له شعبية لم يصل إليها رئيس من قبله.
ما لفت انتباهي هي لغة الرئيس في خطابه إلى الناس ومصارحتهم بشكل واضح حول إمكانياتنا.. هذا الطرح الذي لم تعبر عنه الحكومة رغم الأزمة الطاحنة التي يعاني منها الناس.. الرئيس يختار طريق المصارحة والحكومة في خبر كان.. الرئيس يتحرك نحو معاناة الناس والحكومة لا تقدم أطروحة عملية لمواجهة متاعب الناس.. باختصار الرئيس تحركه الجماهير والحكومة تحركها آفاق ضيقة.
ومؤتمر الشباب نقطة نور ومحطة مستقبلية هامة ومصنع لصياغة مشاركة شبابية حقيقية، ويجب علينا جميعا أن ندعمه ونسعى من أجل تحقيق أهدافه.. متابعة فعاليات اللقاء الشهرى وورش العمل وتناول العناصر الشبابية المشاركة من شأنه تعظيم الدور الذي يمكن أن تؤديه هذه المؤسسة من أجل إنتاج عدد من الشباب الواعد في طريق تحمل المسئولية بعد أن سيطرت ملامح الشيخوخة على معالم الوطن.
اللقاء أيضا في أسوان، هذه المرة، يحمل دلالات عدة أهمها: لفت الانتباه إلى انتهاء عصر عزلة الصعيد.. وحل مشكلات أهلنا في النوبة رسالة واضحة وصريحة عبر عنها الرئيس في كلمات أكثر وضوحا أظن أننا جميعا كنا بحاجة إليها حتى لا يشعر أبناؤنا في النوبة بإقصاء أو تهميش أو إلغاء لدورهم وحقهم في الحياة الكريمة على أرض ارتوت بعرقهم ودمائهم على مدار التاريخ.
الحوارات الجريئة التي وجهها شباب للمحافظ أو مع الرئيس، تحمل دلالات مهمة من بينها أن الناس كسرت حاجز الخوف بلا رجعة، وهي مصارحة تبعاتها أكثر إيجابية مما يظن البعض، أما الإعلان عن هيئة عليا للتنمية في الجنوب فقد كان أهم ثمار المؤتمر خاصة وأن أهلنا في صعيد مصر دفعوا الثمن غاليا طوال فترات التهميش وانتظروا طويلا حتى جاءت الفرصة سانحة لبداية عصر جديد يضع في حسبانه مشكلات وهموم وأنات المهمشين في صعيد مصر.
مراجعة ملف من لم يتم تعويضه قبل إنشاء السد العالى، فاتورة الماضي التي حق على الأجيال الجديدة أن تعيد النظر فيها إحقاقا للحق وإيمانا بأن مصالحة الماضي أحد أهم علاجات المستقبل وحتى لا تكون في النفوس غصة ومرارة من ماض لم ينصفهم ولم يستمع إليهم ولم يمنحهم حقوقهم المهدرة.. وأخيرا إذا كان مؤتمر الشباب هو واحد من المؤسسات الواعدة فإن عقده هذه المرة في أسوان يصبح الحدث الأهم لأنه باختصار ابتسامة سمراء على وجه الجنوب الذي كان غاضبا.