«دي إم سي».. صوت الأرب من القاهرة
دار الإذاعة بالقاهرة.. هنا صوت العرب.. تلك العبارات التي لا تزال يتردد صداها في أسماعنا عبر سنوات من إعلام رسمي كان له ما له وعليه ما عليه، حتى أضحى خيالًا ووهمًا.. تغيرت أشياء وتبدلت أحوال وعدنا إلى إعلام رسمي بطريقة جديدة تواكب العصر.. «دي إم سي» بالقاهرة.. هنا صوت «دي إم سي».. هذا هو اللون الجديد من الإعلام الرسمي.. انطلقت قنوات «دي إم سي»، لتكون صوتًا رسميًا لمصر، أما التليفزيون المصري فعليه السلام؛ «يوم ولد ويوم عاش ويوم مات».. أعلنت الدولة رسميًا وفاة هذا المبنى العريق.. تركته ليحتضر وحده ويموت ولن يجد من يدفنه!!
«دي إم سي» هو الصوت الرسمي بعد إضافة نوع من «الدلع» على اسمه باعتبار أن اللغة الأم هي الإنجليزية، والدولة تهتم بلغة العامة والبسطاء وكافة أفراد الشعب بدليل أن الدولة الرسمية قررت أيضا أن تبني مدارس دولية تدرس بالإنجليزية، ووفق المناهج البريطانية، وذلك إمعانا في تخليد ذكرى المحتلين القدامى وإحياء للغة بلادهم التي أصبحت لغتنا وعلى العربية السلام؛ «يوم ولدت ويوم كانت ويوم قبرت بغير رجعة مثل إعلام ماسبيرو».
الإعلامي الأشهر في تاريخ بلادنا أحمد سعيد، كان مثلنا جميعا، يحب جيشه ويعشق وطنه، وقد دفعه هذا الحب إلى إذاعة انتصارات مصر عام ٦٧، حيث بلغ عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطها أحمد سعيد في بياناته بصوت العرب ما يفوق عدد طائرات العالم.. بعدها بثلاثة أشهر اعتزل أحمد سعيد مكتئبا، وعندما سألوه عن جريمته قال: «ليس لمثلي أن يقاوم إذاعة بيان جاءه من جيشه».
والسؤال الآن الموجه لمستر «أهمد سأيد» - ترجمة لأحمد سعيد: ما هي المساحة التي ستتحرك فيها داخل قلعة «دي إم سي»؟!!.. زمن البيانات قد ولى، وزمن الطاعة قد اندثر، وأصبحنا في عصر المعلومات التي تقتحم علينا آذاننا وبيوتنا وحجرات نومنا، فهل نستطيع أن نقدم إعلامًا رسميًا بذات الطريقة التي أصابت أحمد سعيد بالاكتئاب.. لا أظن.
نصائحي إلى الزملاء المنضوين تحت راية إعلام أحمد سعيد أن يكونوا صوت مصر الحقيقي، وأن يمارسوا النقد البناء، وأن يقدموا ضمائرهم في رسائلهم الإعلامية، وأن يكونوا ذراعا قوية لبلادهم، والذراع القوية لن تكون في إعلام البيانات.. كلنا نعشق تراب هذا البلد، وكلنا نريده قويًا عزيزًا أبيًّا، ولكن ليس على طريقة أحمد سعيد، فالزمن غير الزمن، والمعلومة لم تعد أسيرة بيان، والمهنة تحكمها منافسة قوية.
لا تدفعوا الناس إلى متابعة قنوات الجزيرة، ولا تدعوهم ينصتون لشيطان الإخوان، فالتاريخ شاهد على أن المصريين تركوا أحمد سعيد وغادروا موجات الراديو المصرية إلى إذاعات أجنبية كانت تمتلك الحقيقة والحق.. ما تخفونه قد تظهره عدسة مواطن في قلب الأحداث.. لم نعد نحن الصحفيين وحدنا.. المواطن أصبح صحفيًا قادرًا على كشف ما تخفيه، ولديه وسائل إعلامية لا تراقبها أجهزة الحكام.
أملي مثل غيرى، أن تصبح «دي إم سي» صوت الحقيقة، وألا تتحول إلى خبل إعلامي وإلى هرج ومرج وسباق في الرياء، فمصر ليست بحاجة إلى رياء.. فما أكثر منتجيه في بلادنا!!