كل يناير.. ومصر دائما بخير !
يأتى شهر يناير ومعه تتزاحم في الذاكرة الكثير من الذكريات الشخصية والوطنية التي أرتبط بها في الطفولة، ففى الخامس عشر من يناير كانت مصر تحتفل بعيد الطفولة، لأنه يتزامن مع ميلاد الزعيم جمال عبدالناصر، وهو سلوك مصرى صرف في إطار النفاق والتقرب إلى الحاكم، فمن المؤكد أن جمال عبدالناصر لم يطلب منهم هذا، ولكن اتساقا مع حالة نفاق المحيطين بالحاكم يكادون يؤلهونه، وفى يناير أيضا ذكرى ملحمة الشرطة المصرية في الإسماعيلية، والتي لا يعرف عنها شيئا الأجيال الحالية..
باختصار شديد ننقل من صفحة محبى اللواء مرسي عياد:
"في يوم الجمعة 25 يناير 1952 أقدم الاستعمار البريطاني على ارتكاب مجزرة وحشية.. ففي فجر هذا اليوم تحركت قوات بريطانية ضخمة تقدر بسبعة آلاف ضابط وجندي إلى شوارع الإسماعيلية، تضم عشرات من الدبابات والعربات المدرعة ومدافع الميدان.. إلخ.. واتجهت إلى دار محافظة الإسماعيلية وثكنة بلوكات النظام التي تجاورها واللتان لم تضما أكثر من 850 ضابطا وجنديا حيث ضربت حولهما حصارا محكما، وقدم الجنرال آكسهام قائد القوات البريطانية في الإسماعيلية في منتصف الساعة السادسة صباحا إنذارا إلى ضابط الاتصال المصري، المقدم شريف العبد، طلب فيه أن تسلم جميع قوات الشرطة وبلوكات النظام في الإسماعيلية أسلحتها وأن ترحل عن منطقة القناة في صباح اليوم نفسه بكامل قواتها، وهدد باستخدام القوة في حالة عدم الاستجابة إلى إنذاره..
وقام اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام، وعلي حلمي وكيل المحافظة بالاتصال هاتفيا على الفور بوزير الداخلية وقتئذ فؤاد سراج الدين في منزله بالقاهرة، فأمرهما برفض الإنذار البريطاني ودفع القوة والمقاومة حتى آخر طلقة وآخر رجل.
وفي السابعة صباحا بدأت المجزرة الوحشية وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا، ومدافع الدبابات، تدك بقنابلها مبني المحافظة وثكنة بلوكات النظام، سالت الدماء أنهارا، وأمر الجنرال أكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكي يعلن على رجال الشرطة المحاصرين في الداخل إنذاره الأخير، وهو التسليم وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة، وتملكت الدهشة القائد البريطاني المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية وهو النقيب مصطفى رفعت فقد صرخ في وجهه في شجاعة وثبات: لن تتسلموا منا إلا جثثًا هامدة..
واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة.. أخذت القنابل تنهمر على المباني حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت في أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة، وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لي انفيلد) أقوي المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم وسقط منهم في المعركة 50 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وقام جنود الاحتلال البريطاني بأمر من الجنرال آكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم".
وأيضا في يناير الانتفاضة الشعبية في 18 و19 يناير 1977 والتي جعلت الرئيس الأسبق أنور السادات يلغى قرارات رفع الأسعار، الانتفاضة التاريخية التي تعد الأعنف منذ 1952، وأحدثت توابع كبيرة، أطاحت بوزراء ومحافظين.. إلخ وللأسف بعدها ضاقت مساحة الحريات التي أعطاها السادات للمجتمع، فتم إلغاء أندية الفكر للسياسي بالجامعات، وتم تعديلات لقانون الانتخابات بالجامعة، وتم حل مجلس الشعب.. إلخ.
ولكن أضيف لشهر يناير مناسبة غيرت وجه مصر، هذه المرة شاهدها الملايين أمام شاشات التليفزيون، وهي 25 يناير 2011 التي جعلت الملايين في الشوارع تطالب وتنادى "عيش.. حرية..عدالة اجتماعية"، وللأسف وبالرغم من مرور ست سنوات، لم يتحقق منها "العيش بكرامة، أو الحرية، أو العدالة الاجتماعية"، وللأسف هي نفس شعارات ثورة 23 يوليو 1952!
وبعد.. هل ننتظر يناير جديدا تشرق فيه الشمس بالعيش بكرامة.. والحرية الحقيقية.. والعدالة الاجتماعية؟!
كل يناير ومصر بخير.. بأولادها.. وشبابها.. وإن شاء الله المستقبل أفضل.