رئيس التحرير
عصام كامل

فرحة حكم تيران وصنافير


عندما يكون حكم القضاء المصري النهائي والبات في قضية وطنية مثل قضية تيران وصنافير، فمن حق الشعب أن يهنئ بعضه بعضا، غير أن هذه الفرحة لا تزال مليئة بالغصة والمرارة، لأنها للأسف الشديد حكم في قضية أرض مصرية ضد الحكومة المصرية وليس ضد غيرها.


فالذين أسعدهم الحكم لا يزال السؤال الحائر أمامهم مطروحا، ماذا لو تقدمت حكومة المملكة العربية السعودية للتحكيم الدولى.. هل يمثل مصر في هذه الحالة حكومة حكم القضاء المصري بأنها كانت ضد المصريين، وما هو الموقف الشعبى أمام التحكيم الدولى، وهل يجوز للمصريين أن يختاروا من بينهم من يمثل المصلحة الوطنية على اعتبار أن الحكومة أمام القضاء المصرى كانت تمثل المملكة العربية السعودية، وهل يحق لمواطنين مصريين عاديين أن يعلنوا صراحة أنهم لا يثقون في حكومتهم؟!

أتصور أن الموقف سيكون دراميا للغاية، أعتقد أن المخاوف التي طرحناها في تساؤلات سابقة ستصبح بحق هي المعضلة الأساسية أمام جموع الشعب، وسيتعقد الموقف أكثر من ذلك، وإن هوة الخلاف ستطرح تساؤلات أصعب من ذلك، فيما يمكن أن نسميه إفتاءات على وطنية الحكومة المصرية ودفاعها بحق عن الأرض والعرض. وطبيعة هذا الخلاف سيكون من شأنه أن يصنع داخل المجتمع المصرى هوة سحيقة بين المصريين وحكومتهم، التي من المفترض أن تكون في صدارة الدفاع عن الأرض.

ومما لاشك فيه أن الحكم القضائى النهائى الصادر بمصرية الجزيرتين ستطول نيرانه أبعد من التصورات المرتبطة بفكرة الحكم القضائى في حد ذاتها، وستلاحق شخصيات حكومية وبرلمانية مما يمكن أن نسميه العار التاريخى، ولن تمحو هذه الأيام هذه المواقف من ذاكرة المصريين بكافة طبقاتهم وستثبت الأيام أن في مصر مؤسسات وطنية مستقلة وقادرة على اتخاذ المواقف الصعبة في أحلك اللحظات.

الحكم القضائى باختصار شديد هو بداية طريق طويل يمتد من آلاف السنين، وسيمتد في المستقبل إلى آلاف غيرها في أقدم دولة على مر الزمان، تلك الدولة التي تمددت في الماضي كثيرا ولا يقبل أبناؤها أبدا أن تفرط أو تبيع أو تنكمش.
الجريدة الرسمية