رئيس التحرير
عصام كامل

الباشا إعلامي!


أراد الله ولا راد لقضائه، أن أعمل بمهنة «البحث عن المتاعب»، ولأنني كنت شابًا يافعًا غرتني تلك الصورة البراقة في الصحف والفضائيات للسادة الإعلاميين، فقد جاهدت نفسي للوصول إلى تلك المهنة التي هى دومًا في الصورة، بحسب الناس في الشارع، حيث الوجاهة الاجتماعية، والاسم اللامع، ومانشيتات عناوين الأخبار، و لأنني من هواة القراءة، فإنني سعيت دومًا للحصول على عمل بها حتى أحمل لقب «إعلامي».


و لأنني من هواة الأفلام والمسلسلات، وحسب ما رأيت في التليفزيون، فإن الإعلامي هو صاحب رأي، ومكانة، ونفوذ، وفي أحايين كثيرة -بحسب الصورة- ذو مال وثروة، وأذكر أنه دائمًا ما كانت تعجبني مقالات كبار الكتاب وأدبهم، وكنت دائمًا أتمنى الوقوف معهم أو إلى جوارهم، وكنت أرى السلطات المختصة تحمل للسادة الصحفيين كل الاحترام والتقدير، باعتبارهم -وكما يقولون «سلطة رابعة»- وقد كان ذلك حلمًا جميلًا وصعبًا، إلا أنني ولله الحمد صرت من أهل مكة وأدرى بشعابها كما يقولون، بعد أن التحقت بالعمل بها، لذلك فإنني والحق أقول: صرت أحزن كثيرًا، وأتألم أكثر لما حدث، ويحدث لصاحبة الجلالة..

إذ يبدو أنه قد جار الزمان عليها، وصارت لا تسمن ولا تغني من جوع، وصارت السلطات تحمل الصحافة والصحفيين كل هموم ومتاعب المجتمع، وتتهمهم بالعمل على تسميم الأجواء، وتكدير السلم والأمن العام، وتأجيج الفتن، وإحباط الجماهير، وبث الرعب والخوف والفزع في نفوس الجماهير، وتتهم بعضهم بأنهم أصحاب أجندات خارجية، و يتلقون تمويلات خارجية، حتى بات الصحفي هو ذلك المليونير أو رجل الأعمال الذي يحرك الجموع في الشارع، فيعطي هذا، ويمنع ذاك، وبات سببًا لكل ما يحدث حولنا من شرور..

وليت الأمر انتهى عند ذلك بل صارت نقابة الصحفيين (منبر الحريات كما يقولون) متهمة بإيواء مطلوبين للعدالة، ووصل الأمر إلى اتهام عامة الشعب لجموع الصحفيين بأنهم أصحاب مصالح، وأجندات خارجية، ويعملون ضد مصالح الوطن، و يتلقون أموالًا من الخارج، وأنهم «باشاوات» بسبب تلك الأموال المنهمرة عليهم، برغم أن كل هذه الاتهامات تستوجب المساءلة والعقاب..

والأدهى والأمر أن بعض الصحفيين الكبار قاموا بهذا الأمر على أكمل وجه، وصارت صورة الصحفيين في الشارع مشوهة، بعد أن باتت السلطات تضيق على عملهم من خلال التصاريح والموافقات الأمنية، وبعد أن كان الصحفي صاحب فكر ورسالة، ومكانة اجتماعية، وثروة، ومال، ونفوذ، وحامل هموم الأمة، وضميرها النابض بالفكر، وأملها، وهو ملهم الثورات، وقائد الفكر، والحراك الاجتماعي، وصاحب القلم الجريء حتى إن أحدهم كان يقول:

أنا الصحفي أنا المحترم إذا المفتري رأني هرب
أخوف ألفا بوقع القلم أنا الصحفي أنا المحترم

صار الصحفي أقرب للمتسول بدءًا من الفكر، حيث لم يعد يعامل على أنه صاحب رسالة وفكر، وأنه صاحب قلم حر وجريء، وحتى المرتب قبل القبض وبعده!!

الجريدة الرسمية