القبض على مباحث التموين !
كلما أعلنت الرقابة الإدارية عن ضبط قضية فساد جديدة، كلما شعر الشرفاء بالنشوة والأمل لقناعتهم التامة بأن الفساد " يعشعش " في أبدان مصر منذ عشرات السنين، وليقينهم أيضًا بأنه كلما انخفض حجم الفساد كلما نهض الاقتصاد، خصوصًا أن آخر الأرقام الرسمية تؤكد بأن 60 % من حجم الاقتصاد المصري ناتج من السوق الموازي غير الرسمي، وهو دليل واضح على حجم الفساد الذي يوجد في مصر.
والحديث عن جهود الرقابة الإدارية الجديدة في هذا الموضوع لا يقل أهمية عن ضرورة وجود جهود مماثلة للحد من الارتفاع غير المسبوق في الأسعار و أخرها الأدوية.. فهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار يعتبر بمثابة السرطان الذي ينتشر ويتوغل في صميم معنويات الشعب أو الطبقة الأكثر احتياجًا.
وهنا لا أرغب في التقليل من حجم الجهود المبذولة من مباحث التموين بشكل خاص، لمحاربة جشع التجار الذين يستغلون "موجة ارتفاع الأسعار" من أجل مزيد من المكاسب حتى لو على حساب الغلابة.. وهنا لا أتحدث عن صغار التجار المظلومين من وجهه نظري، لأنهم بلا حول ولا قوة ويعيشون بمبدأ "كلف يا سيدي.. اطبخي يا جارية".. ولذلك لا أحد يمكن أن يشك لحظة بأن هناك أباطرة من التجار الكبار، الذين يحتكرون السوق للكثير من السلع، ينهشون في لحم الشعب باتفاقات وقرارات تدر لهم المليارات، دون مراعاة أي أبعاد إنسانية أو أخلاقية.
والدور هنا يتركز بشكل أساسي على مباحث التموين، التي من المؤكد أنها تعلم الكثير والكثير عن هؤلاء وتقوم بجهود حثيثة من أجل السيطرة على هذا التوغل غير المبرر في موضوع ارتفاع الأسعار، بشكل يؤذي كل من يشعر بالآدمية.. ولذلك لا بد أن تكون هناك تعليمات بضرورة الكشف إعلاميًا عن الكثير من الحملات والضبطيات التي تقوم بها مباحث التموين مع جشع التجار الكبار، مثلما هو الحال في قضايا الفساد التي يتم الإعلان عنها بشكل يومي من الرقابة الإدارية.
والإعلان الإعلامي هنا قد يكون له تأثير نفسي مزدوج، حيث من الممكن أن يخيف مَن هم في الظلام و يتلاعبون بالأسعار، وفي نفس الوقت يعطي بادرة أمل للشعب بأن هناك رغبة حقيقية في عملية محاربة هذه الظاهرة.
والكشف على قضايا الفساد من جانب الرقابة الإدارية لا يقل أهمية عن الكشف على قضايا جشع كبار التجار في رفع الأسعار بشكل غير منطقي من جانب مباحث التموين.. ويضاف إلى هذا ضرورة إعادة التفكير في قرار قيام وزارة التموين بالشراء مباشرة من كبار التجار، للعديد من السلع قبل توزيعها على المنافذ المختلفة، خصوصًا بعد ظهور الكثير من مظاهر الفساد في هذا الموضوع، ساهمت بشكل كبير في تخصيص الاحتكار في مجموعة محددة من منتجي السلع الأساسية.
وأخيرًا.. يجب القبض على مباحث التموين متلبسة إعلاميًا، بالإعلان المستمرة عن قضايا جشع التجار الكبار مثلما تم القبض على الرقابة الإدارية متلبسة بالكشف عن قضايا فساد يومية.