رئيس التحرير
عصام كامل

«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. جـ2◄55


احتفاء واحتفالا بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبد الله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. نواصل القراءة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية» الجزء الثاني.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...


حيث نتابع القراءة في الجزء الثاني من هذا «الكتاب القيم»...


ثمَّ أتى زمزمَ بعد أن قضى طوافَه وهم يسقون، فقال: (لَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُم النَّاسُ، لنَزَلْتُ فَسَقَيْتُ مَعَكُمْ)  ثُمَّ ناولُوه الدَّلْوَ، فَشَربَ وهُوَ قَائِم.


 فقيل: هذَا نسخٌ لنهيه عن الشرب قائمًا، وقيل: بل بيان منه أن النهي على وجه الاختيار وترك الأَوْلى، وقيل: بل للحاجة، وهذا أظهر.


 وهل كان في طوافه هذا راكبًا أو ماشيًا؟ فروى مسلم في (صحيحه)، عن جابر قال: (طافَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالبَيْتِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ على رَاحِلته يَستلِم الرُّكنَ بِمحْجَنِه لأن يراه الناسُ وليُشْرِفَ، ولِيسألُوه، فإنَّ الناسَ غَشُوْهُ) .


 وفي (الصحيحين)، عن ابنِ عباس قال: (طافَ النبي صلى الله عليه وسلم في حَجة الوداع، على بعير يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمحْجَنٍ)  .


 وهذا الطواف، ليس بطواف الوداع، فإنه كان ليلًا، وليس بطواف القُدوم لوجهين.


 أحدهما: أنه قد صحَّ عنه الرَّمَلُ في طواف القدوم، ولم يقل أحد قطُّ: رَمَلَتْ بِه رَاحِلَتُه، وإنما قالوا: رَمَلَ نَفْسُهُ.


 والثاني: قول الشريد بن سويد: (أفضتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فما مَسَّتْ قدماه الأرْضَ حتَّى أتى جَمْعًا).


 وهذا ظاهره، أنه من حين أفاض معه، ما مسَّت قدماه الأرض إلى أن رجع، ولا ينتقِضُ هذا بركعتي الطواف، فإن شأنَهما معلوم.


 قلت: والظاهر: أن الشريد بن سويد، إنما أراد الإفاضة معه من عرفة، ولهذا قال: حتى أتى جَمْعًا وهي مزدلفة، ولم يُرد الإفاضة إلى البيت يومَ النحر، ولا ينتقِضُ هذا بنزوله عند الشِّعب حين بال، ثم رَكِبَ لأنه ليس بنزول مستقر، وإنما مسَّت قدماه الأرضَ مسًا عارِضًا. و الله أعلم.



 ثم رجع إلى مِنَى، واختُلِفَ أين صلَّى الظهر يومئذ، ففي (الصحيحين): عن ابنِ عُمر، أنه - صلَّى الله عليه وسلم - أفاضَ يوم النحر، ثم رجع، فصلَّى الظهرَ بِمنَى.


 وفي (صحيح مسلم) : عن جابر، أنه - صلَّى الله عليه وسلم - صلَّى الظُّهرَ بمكَّة وكذلك قالت عائشةُ.


 واختُلِفَ في ترجيح أحدِ هذينِ القولين على الآخر، فقال أبو محمد بن حزم: قول عائشة وجابر أولى وتَبِعَه على هذا جماعة، ورجَّحوا هذا القولَ بوجوه.


 أحدها: أنه روايةُ اثنين، وهما أولى من الواحد.

الثاني: أن عائشة أخصُّ الناسِ به صلَّى الله عليه وسلم، ولها من القُرب والاختصاص به والمزية ما ليس لغيرها.

الثالث: أن سياق جابر لِحَجَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، أتمُّ سياق، وقد حَفِظَ القِصَّةَ وضبطها، حتى ضبط جزئياتها، حتَّى ضبط منها أمرًا لا يتعلَّق بالمناسك، وهو نزولُ النبي صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ جَمْعٍ في الطَّريق، فقَضَى حاجَته عند الشِّعب، ثم توضأ وضوءًا خفيفًا، فمَن ضبط هذا القدر، فهو بضبط مكانِ صلاته يومَ النحر أولى.


 الرابع: أن حَجَّة الوداع كانت في مارس، وهو تساوى الليلِ والنهارِ، وقد دفع مِن مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى مِنَى، وخطب بها الناسَ، ونحر بُدْنًا عظيمة، وقَسمَها، وطُبِخَ له من لحمها، وأكل منه، ورمى الجمرة، وحلَقَ رأسَه، وتطيَّب، ثم أفاض، فطافَ وشرب من ماء زمزم، ومِن نبيذ السِّقاية، ووقف عليهم وهم يسقون، وهذه أعمال تبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدارٍ يُمكِنُ معه الرجوعُ إلى مِنى، بحيثُُ يُدرِكُ وقت الظهر في فصل مارس.


 الخامس: أن هذين الحديثينِ، جاريانِ مجرى الناقِل والمبقى، فقد كانت عادتُه   - صلَّى الله عليه وسلم   - في حَجته الصلاةَ في منزله الذي هو نازِل فيه بالمسلمين، فجرى ابن عمر على العادة، وضبط جابر وعائشة رضى الله عنهما الأمر الذي هو خارج عن عادته، فهو أولى بأن يكون هو المحفوظ.


 ورجَّحت طائفة أخرى قول ابن عمر، لوجوه:


 أحدها: أنه لو صلَّى الظُّهر بمكة، لم تُصَلِّ الصحابة بِمنَى وحدانًا وزَرَافاتٍ، بل لم يكن لهم بُدٌّ من الصلاة خلفَ إمام يكون نائبًا عنه، ولم يَنْقُلْ هذا أحدٌ قطٌّ، ولا يقول أحد: إنه استناب مَن يُصلِّى بهم، ولولا علمُه أنه يرجع إليهم فيُصلِّى بهم، لقال: إن حَضَرَتِ الصلاةُ ولستُ عندكم، فليُصلِّ بكم فلان، وحيث لم يقع هذا ولا هذا، ولا صلَّى الصحابة هناك وحدانًا قطعًا، ولا كان مِن عادتهم إذا اجتمعوا أن يُصلُّوا عِزِين، عُلِمَ أنهم صلُّوا معه على عادتهم.


 الثاني: أنه لو صلَّى بمكة، لكان خَلْفَهُ بعضُ أهل البلد وهم مقيمون، وكان يأمرهم أن يُتِمُّوا صلاتهم، ولم يُنقل أنهم قاموا فأتموا بعد سلامه صلاتهم، وحيث لم يُنقل هذا ولا هذا، بل هو معلوم الانتفاء قطعًا، عُلِمَ أنه لم يُصلِّ حينئذ بمكة، وما ينقلُه بعض مَن لا علم عنده، أنه قال: (يا أَهْلَ مَكَّة أَتِمُّوا صَلاتَكُم فإنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ)، فإنما قاله عامَ الفتح، لا في حَجته.


 الثالث: أنه من المعلوم، أنه لما طاف، ركع ركعتي الطواف، ومعلوم أن كثيرًا من المسلمين كانوا خلفه يقتدون به في أفعاله ومناسكه، فلعله لما ركع ركعتي الطواف، والناس خلفه يقتدُون به، ظن الظانُّ أنها صلاةُ الظهر، ولاسيَّما إذا كان ذلك في وقت الظهر، وهذا الوهمُ لا يُمكن رفعُ احتماله، بخلاف صلاته بِمنَى، فإنها لا تحتمِل غير الفرض.


 الرابع: أنه لا يُحفظ عنه في حَجه أنه صلَّى الفرض بجوف مكة، بل إنما كان يُصلِّى بمنزله بالأبطح بالمسلمين مُدّة مقامه كان يُصلِّى بهم أين نزلوا لا يُصلِّي في مكان آخر غير المنزل العام.


 الخامس: أن حديث ابن عمر، متفق عليه، وحديث جابر، من أفراد مسلم، فحديث ابن عمر، أصح منه، وكذلك هو في إسناده، فإن رواته أحفظ، وأشهر، وأتقن، فأين يقع حاتم بن إسماعيل من عُبيد الله بن عمر العمري، وأين يقع حفظ جعفر مِن حفظ نافع؟


 السادس: أن حديث عائشة، قد اضطربَ في وقت طوافه، فرُوى عنها على ثلاثة أوجه، أحدها: أنه طاف نهارًا، الثاني: أنه أخَّر الطَّواف إلى الليل، الثالث: أنه أفاض مِن آخر يومه، فلم يضبط فيه وقت الإفاضة، ولا مكان الصلاة، بخلاف حديث ابن عمر.


 السابع: أن حديثَ ابنِ عمر أصحُّ منه بلا نزاع، فإن حديثَ عائشة من رواية محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عنها، وابن إسحاق مختلف في الاحتجاج به، ولم يُصرِّحْ بالسماع، بل عنعنه، فكيف يُقدَّم على قول عُبيد الله: حدثني نافع، عن ابن عمر.


 الثامن: أن حديث عائشة، ليس بالبيِّن أنه - صلَّى الله عليه وسلم  - صلَّى الظهر بمكة، فإن لفظه هكذا: (أفاض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهر، ثم رجع إلى مِنَى، فمكث بها ليالي أيامِ التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات)، فأين دلالة هذا الحديثِ الصريحة، على أنه صلَّى الظهرَ يومئذ بمكة، وأين هذا في صريح الدلالة إلى قول ابن عمر: (أفاض يوم النحر، ثم صلَّى الظهر بمِنَى) ، يعنى راجعًا. وأين حديثٌ اتفق أصحاب الصحيح على إخراجه إلى حديثٍ اختُلِف في الاحتجاج به. و الله أعلم.



قال ابن حزم: وطافت أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها مِن وراء الناس وهي شَاكية، استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، فأذن لها، واحتج عليه بما رواه مسلم في (صحيحه) من حديث زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: شكوتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أني أشتكى، فقال: (طُوفي مِنْ وَراءِ النَّاس وأَنْتِ رَاكبة)  قالت: فَطُفْتُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ البَيْتِ، وهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1  - 2]، ولا يتبيَّنُ أن هذا الطوافَ هُوَ طوافُ الإفاضَة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ في ركعتي ذلك الطواف بالطور، ولا جهر بالقراءة بالنهار بحيث تسمعُه أم سلمة من وراء الناس، وقد بيَّن أبو محمد غلطَ مَن قال: إنه أخَّره إلى الليل، فأصاب في ذلك.


 وقد صح من حديث عائشة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل بأُمِّ سلمة ليلةَ النحر، فرمت الجمرةَ قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت فكيف يلتئمُ هذا مع طوافها يومَ النحر وراءَ الناس، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى جانب البيت يُصلِّى ويقرأ في صلاته: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1  - 2]؟ هذا مِن المُحال، فإن هذه الصلاةَ والقراءة، كانت في صلاة الفجر، أو المغربِ، أو العشاءِ، وأمَّا أنها كانت يومَ النحر، ولم يكن ذلك الوقت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة قطعًا، فهذا من وهمه رحمه الله.


 فطافت عائشة في ذلك اليوم طوافًا واحدًا، وسعت سعيًا واحدًا أجزأها عن حَجِّها وعُمرتها، وطافت صفيَّةُ ذلك اليوم، ثُمَّ حاضت فأجزأها طوافُها ذلك عن طواف الوداع، ولم تُوَدِّعْ، فاستقرَّت سُنَّتُه - صلى الله عليه وسلم - في المرأة الطاهرة إذا حاضت قبل الطواف - أو قبل الوقوف، أن تَقْرِنَ، وتكتفيَ بطواف واحد، وسعي واحد، وإن حاضت بعد طواف الإفاضة اجتزأت به عن طواف الوداع.


في رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى مِنَى وبياته بها


ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى مِنَى مِن يومه ذلك، فباتَ بها، فلما أصبَحَ، انتظرَ زوالَ الشَّمْسِ، فلما زالت، مشى مِن رحله إلى الجمَارِ، ولم يَرْكَبْ، فبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مَسْجِدَ الخَيْفِ، فرماها بسبع حَصَياتٍ واحدةً بعدَ واحدةٍ، يقول مع كُلِّ حصاة: (الله أكْبَرُ)، ثم تقدَّم على الجمرة أمامها حتى أسهلَ، فقام مستقبلَ القِبْلة، ثم رفعَ يديهِ وَدَعَا دُعاءًا طَوِيلًا بقدر سُورَةِ البقرة، ثم أتى إلى الجَمرة الوُسطى، فرماها كذلك، ثم إنحدرَ ذاتَ اليَسارِ مما يلي الوادي، فوقفَ مستقبِلَ القِبْلة رافعًا يديه يدعو قريبًا مِن وقُوفِه الأولِ، ثم أتى الجمرَة الثَّالِثَة وهي جمرة العَقبة، فاستبطن الوادي، واستعرض الجَمرة، فجعل البَيْتَ عَن يسارِه، ومِنَى عن يمينه، فرماها بسبع حصيات كذلك.


 ولم يِرمِها مِن أعلاها كما يفعل الجُهَّال، ولا جعلها عن يمينه واستقبل البيتَ وقت الرمي كما ذكره غيرُ واحد من الفقهاء.


 فلما أكمل الرمي، رجع مِن فوره ولم يقف عندها، فقيل: لضيق المكان بالجبل، وقيل - وهو أصح: إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها، فلما رمى جمرة العقبة، فرغ الرميُ، والدعاءُ في صُلب العبادة قبل الفراغ منها أفضلُ منه بعد الفراغ منها، وهذا كما كانت سُنَّته في دعائه في الصلاة، إذ كان يدعو في صُلبها، فأما بعد الفراغ منها، فلم يثبت عنه أنه كان يعتادُ الدعاء، ومَن روى عنه ذلك، فقد غَلِط عليه، وإن رُوى في غير الصحيح أنه كان أحيانًا يدعو بدعاءٍ عارِض بعد السلام، وفي صحته نظر.


 وبالجملة.. فلا ريبَ أن عامة أدعيته التي كان يدعو بها، وعلَّمها الصِّدِّيق، إنما هي في صُلب الصلاة، وأما حديثُ معاذ بن جبل: (لا تَنْسَ أنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ: اللهمَّ أَعِنِّى عَلى ذِكْركَ وشُكْرِكَ، وَحُسْن عِبادتِك)، فدُبُر الصلاة يُراد به آخرها قبل السلام منها، كدُبُر الحيوان، ويراد به ما بعد السلام كقوله: (تُسَبِّحُونَ الله وتكبِّرونَ وتحمدونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ)... الحديث، و الله أعلم.



في هل كان صلى الله عليه وسلم يرمى قبل صلاة الظهر أو بعدها؟


 ولم يزل في نفسي، هل كان يرمى قبلَ صلاة الظهر أو بعدَها؟ والذي يغلِبُ على الظن، أنه كان يرمي قبل الصلاة، ثم يَرجع فيُصلِّى، لأن جابرًا وغيرَه قالوا: كانَ يرمي إذا زالتِ الشمس، فعقَّبوا زوالَ الشمس برميه. وأيضًا، فإن وقت الزوال للرمي أيامَ مِنَى، كطلوع الشمس لرمى يوم النحر، والنبي صلى الله عليه وسلم يومَ النحر لما دخل وقتُ الرمي، لم يُقَدِّمْ عليه شيئًا من عِبادات ذلك اليوم، وأيضًا فإن الترمذي، وابنَ ماجه، رويا في (سننهما)  عن ابن عباس رضى الله عنهما: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يرمى الجِمارَ إذا زالت الشمس. زاد ابن ماجه: قَدْرَ ما إذا فرغ من رميه صلَّى الظهر، وقال الترمذي: حديث حسن، ولكن في إسناد حديث الترمذي: الحجاج بن أرطاة، وفي إسناد حديث ابن ماجه: إبراهيمُ ابن عثمان أبو شيبة، ولا يُحتج به، ولكن ليس في الباب غيرُ هذا.


 وذكر الإمام أحمد أنه كان يرمى يوم النحر راكبًا، وأيام مِنَى ماشيًا في ذهابه ورجوعه.


في تضمن حجَتَّه صلى الله عليه وسلم ست وقفات


 فقد تضمَّنت حَجَّته صلى الله عليه وسلم سِتَّ وقفات للدعاء.


 الموقف الأول: على الصفا، والثاني: على المروة، والثالث: بعرفة، والرابع: بمزدلفة، والخامس: عند الجمرة الأولى، والسادس: عند الجمرة الثانية.


في خطبه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج


 وخطب صلى الله عليه وسلم الناس بمِنَى خطبتين: خطبةً يوم النحر وقد تقدَّمت، والخطبَة الثانية: في أوسط أيَّامِ التشريق، فقيل: هو ثاني يوم النحر، وهو أوسطُها، أي: خيارها، واحتج مَن قال ذلك: بحديث سَرَّاء بنت نبهان، قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أتدرون أيُّ يَوْمٍ هذَا) ؟   - قَالَت: وهُو اليَوْمُِ الَّذي تَدْعُونَ يَوْمَ الرُّؤوس - قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (هذَا أوْسَطُ أيَّامِ التَّشْريقِ، هَلْ تَدْرُونَ أيُّ بَلَد هذَا) ؟ قالُوا: الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: (هذَا المَشْعَرُ الحَرَامُ)، ثُمَّ قَال: (إنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عامي هذَا، ألاَ وَإنَّ دمَاءَكُم، وأَمْوالَكُم، وَأَعْرَاضَكُم عَلَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هذَا، في شهركم هذا، في بَلَدِكُمْ هذَا، حَتَّى تَلْقُوْا رَبَّكم، فَيَسْأَلَكُم عَنْ أَعْمالِكُم، ألاَ فَلْيُبَلِّغْ أَدْنَاكُم أقصاكم، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ) ؟ فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينة، لَمْ يَلْبَثْ إلاَّ قَلِيلًا حَتَّى مَاتَ صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود. ويوم الرؤوس: هو ثاني يوم النحر بالاتفاق.


 وذكر البيهقي، من حديث موسى بن عُبيدة الرّبَذِي، عن صدقة بن يسار، عن ابنِ عمر، قال: أُنْزِلَتْ هَذِه السُّورَةُ: {إذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ} [النصر: 1]، على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيَّامِ التشريقِ، وعُرِفَ أنه الوداعُ، فأمر براحلته القَصْواء، فَرُحِلَتْ، واجتمع الناسُ فقال: (يا أيها النَّاسُ) ... ثم ذكر الحديث في خطبته.

الجريدة الرسمية