أهل الثقة وأهل الخبرة
يثير أبو الإعلام المصري الدكتور عبد القادر حاتم، في مذكراته التي صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سؤالا مهما حول أهل الثقة وأهل الخبرة في دوائر الحكم ويخلص إلى إجابة على هذا السؤال الذي وجهه إلى جنرال فرنسا شارل ديجول والذي أجاب د.حاتم بقصة استعانة أحد رؤساء فرنسا بالسياسي الفرنسي الشهير كليمنصو رغم كراهيته له، وكان ذلك وقت الحرب العالمية الأولى، وكسبت فرنسا الحرب لأن رئىس الدولة وضع مصلحة بلاده فوق العواطف، واستعان بالموهبة الكفء صاحب التجربة.
تراثنا العربى ممتلئ بقصص مغايرة لما ارتآه الرئيس الفرنسى رغم أن لرسولنا الكريم قصة هي الأبلغ في غزوة بدر: "تحرك الرسول الكريم إلى موقع ماء بدر، وبالقرب من مكان المعركة، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر، وهنا قام الْحبَاب بْنَ الْمُنْذِرِ وأشار على النبي بموقع آخر أفضل من هذا الموقع قائًلا:
يَا رَسُولَ اللّهِ! أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: ”بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ”.. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي ندفن ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ – صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – مشجعًا –: "لَقَدْ أَشَرْت بالرأيِ".
إضافة إلى هذا الموقف مواقف عدة كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يضع إستراتيجية للمستقبل في الحكم تعتمد على أهل الخبرة ومن بينها اعتماده على عبد الله بن أريقط دليلا له في الصحراء عند الهجرة، ولم يكن يدين بدين أيضا عندما طلب العباس عم الرسول مفاتيح الكعبة بعد أن تسلمها من بنى شيبة ليجمع له سقاية الحاج وسدنة البيت فنزل قول الله تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" فأعاد الرسول مفاتيح الكعبة إلى بنى شيبة ليبقى لديهم إلى يوم القيامة.
المواقف كثيرة في تاريخنا التي اعتمد فيها الرسول على أهل الخبرة دون أهل الثقة فلم يعين أحدا من أقاربه في موقع المسئولية ولم يختر من بينهم ولاة وكان دوما يختار من يحققون الصالح العام بعيدا عن العاطفة الشخصية.. ما أشبه الليلة بالبارحة ونحن نتحدث عن أهل الثقة في منطقتنا العربية كلها بعد أن أوكل الأمر إلى غير أهله وسارت بنا الحياة من سيئ إلى أسوأ!!