6 سنوات من الأمل الغائب
ودخلنا عامنا السادس في "فيتو"، بذات الحلم الذي لا يزال يراودنا في وطن أكثر رحابة، وطن يضمنا ضما.. وطن يخطفنا من نار اليأس إلى جنة الأمل.. حلم يقفز بنا إلى آفاق الأرض الدافئة.. الأرض التي تحنو على أبنائها ولا تلفظهم إلى هوة المجهول السحيقة.. لا تلقي بهم في بحر من اللامبالاة.. أسقطنا أنظمة فاسدة وألقينا بأنظمة ظلامية في سلة التاريخ.. رددنا: "عيش، حرية.. عدالة اجتماعية"، ولازلنا نردد: "عيش، حرية، كرامة إنسانية".
صفحات طويناها وأخرى بالدم كتبناها، وصفحات لاتزال تنتظر من يخط بروح الأمل عليها، ويرسم حلما هو ذات الحلم على وجه ذلك الوطن المعاند.. المكابر.. الغائب.. انطلقنا من أيقونة "خالد سعيد" لتمضى السنوات فتلقى بأسماعنا أنشودة "مجدي مكين"..
نفس الوجوه تتوالى ونفس الشخوص تتولى وذات القصص تحكى لنا بأننا لانزال في نفس المسافة.. لم نغادر ضاحية التعذيب ولم نبرح سكة الفقر ولم نخرج من دائرة العوز ولم نطرح حتى اللحظة نار السياط التي تلهب ظهور الناس في كل صباح.
تقهقرنا إلى التمني المحبط، وردد بعضنا يأسا وخوفا: "ولا يوم من أيامك يا أبوعلاء".. كنا جماعات في الميدان فعدنا أفرادا يلهثون في الأزقة والحوارى المظلمة.. أصبحنا بعد المعركة وبعد النضال وبعد الجهاد مجرد ظاهرة صوتية، عدنا نغنى للمواطن "ظلموه"، فرد الوطن "بل ظلمتم أنفسكم".. ومن ظلم إلى ظلم إلى ظلام دامس يحجب الرؤية.. رؤية اليوم الذي رسمنا ملامحه بدماء الشهداء فسقطت عليه أمطار العودة إلى الوراء.. العودة إلى نفس الجدال وذات الحوار العقيم حول الحرية والعيش والكرامة المهدرة.
ست سنوات مضت ونحن نكتب.. ست سنوات ونحن نقرأ.. ست سنوات ونحن نعيش الطلاسم.. طلاسم السحر الأسود.. نعيش عصر الحاكم المنفرد وحده.. المغرد برفاقه.. المتفرد بدفة الوطن.. العابر فوق جثث الضحايا.. الوطني وحده.. المخلص وحده.. القائم وحده.. القاعد وحده ونحن مجرد لقطات لأيادٍ تصفق دون وجع.. وحناجر تردد بلا عقل.. وأصوات تغنى على الذي كان، أما الذي سيكون فهو أنشودته وحده لا شريك له.
ست سنوات وكتيبة "فيتو" مثل كل الكتائب في مصر المحروسة، نغني لأمل طال انتظاره.. لأمل أفسدوا صناعته.. لأمل نصبح به ومنه وفيه شركاء لا أجراء ولايزال الإقطاع السياسي يطرحنا أرضا عندما تصبح الأرض لهيبا لا يطيقه الجسد المتعب من السفر على سكة السلامة.. ينهرنا عندما يهدد النهر بغياب لسنوات عجاف سبع أو يزيد.. يمنعنا أن نبوح بعشق آمنا به، ثورة تعيد المجد الذي كان.. وتحت الكلام عن المؤامرة نعيش أطول مؤامرة على الأمل.
نضع ملف حلايب وشلاتين في صرة الحدود، ونصون النهر الخالد في خزينة الإصرار، فتواجهنا أعاصير تيران وصنافير.. بعضنا يسقط الثوب عن بكارة الأرض والعرض ليعبث بنا من غَيّر ديننا وضلّل إيماننا لسنوات أربعين مضت.. نطوي صفحة الهرج الإخواني في نهر الحياة فتلعب بنا أيدٍ خليجية بعقر دارنا، فنعلن التوبة ونعود لنصلي خلف أئمة الضلال والبهتان والكفر المباح.
ست سنوات ونحن نواجه حربا ضد الأمل والشعب لايزال ينسج الأمل، وسيظل ينسج الأمل من قلب المقاومة مهما كانت التضحيات.. سنوات قادمة سنحرر فيها كل مختطف بدءا من الكلمة، ومرورا بالرمز، وانتهاء بالبطل القادم، ممتطيا صيحات الشعب الذي لم يهن ولم يحزن ولم يترك يوما سلاحه الأبدى.. سلاح الأمل.