رئيس التحرير
عصام كامل

هكذا تكلم محفوظ وكأنه يعيش بيننا !


المدهش أننا نتبادل الشكوى مما حاق بأخلاقنا من تدهور في السنوات الست الأخيرة، لا يمكن تجاهله، أو التهوين من خطورته البالغة التي تنزع الإحساس بالطمأنينة على مستقبل الأجيال القادمة، التي أصابها كثير من التشوه بفضل غياب القدوة الحسنة في الأسرة والمدرسة والإعلام، وكل مكان تصل إليه أبصارهم وأسماعهم.


ما نراه اليوم ليس نتاج مرحلة بعينها بل تراكم السنين، ولسنا وحدنا من نشكو هذا التدهور الأخلاقي، بل سبقنا إلى ذلك مفكرون ومثقفون أحزنهم مثل هذا التغيير السلبي، فصاحب نوبل في الأدب أديبنا العظيم نجيب محفوظ قال كلامًا خطيرًا، رأينا أن نعيد التذكير به، فلعله يشخص العلة، ويرسم طريق الشفاء منها..

يقول عميد الرواية العربية: "إن أخلاقنا اليوم هي الثمرة المرة لعوامل عديدة، منها الأزمة الاقتصادية، وتوابعها من الغلاء والبطالة، وفتكها بمحدودي الدخل ومن دونهم الفقراء، فكانت مدخل كثيرين إلى الانحراف بأنواعه، والاستهانة بالروابط الحميمة التي كانت فيما مضى شبه مقدسة، كما كانت الدافع وراء العديد من جرائم السرقة والقتل والاغتصاب والمخدرات..

وهناك أيضًا استبداد أرهب الناس بصرامته حتى عشش الخوف في القلوب والمهانة في النفوس، وجعل من النفاق والانتهازية دستورًا للحياة، كما أن الاعتماد المطلق على أهل الثقة وتفضيلهم على أهل الخبرة؛ مما يهدر قيمة العلم والعمل، ويزكي الملق والانحراف والعلاقات الخاصة والفهلوة والاستهتار، وكانت الاستهانة بقدسية القانون، ومخالفته جهارًا، والتراخي في تطبيقه، والإهمال في تنفيذ أحكامه عاملًا مهمًا لما وصلت إليه أخلاقنا، وقد يحتاج العلاج إلى وقت، ولن يجدي فيه الكلام والمواعظ، لابد من التنمية الشاملة التي تشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي والتعليمي".

هكذا تكلم نجيب محفوظ، وكأنه يعيش بيننا، يعاني ما نعانيه من آفات لن تختفي إلا إذا أصلحنا أنفسنا، سلوكنا، وطرق تفكيرنا وتعليمنا وثقافتنا.. وانتقلنا من مربع الإحباط والتواكل والسلبية إلى ميدان الأمل والعمل والتحدي فلسنا أقل من اليابان التي دمرتها الأسلحة النووية؛ لكنها أبت ألا أن تعود عملاقًا يناطح الكبار، كأفضل القوى الاقتصادية العالمية، ولسنا أقل من كوريا الجنوبية ولا سنغافورة ولا البرازيل، التي عاشت تجربة تشبه حالتنا وظروفنا.. لكنها اعتمادًا على قدرتها الذاتية والعلم والشفافية والجدية تعافت حتى صارت قوى اقتصادية لا يستهان بها.. علينا أن ندرس كيف تولد فيها روح التغيير الإيجابي المنتج الخلاق.
الجريدة الرسمية