رئيس التحرير
عصام كامل

كفى مناظرات الهدم والانقسام !


لم تلتفت المؤسسات المعنية بحرب الفكر الإرهابي إلى أمور بسيطة، يمكنها تشكيل وعي الأجيال الجديدة، خصوصًا في مدارسنا بتعليمهم ما تيسر من القرآن والأحاديث النبوية الداعية لحب العمل والنظافة والتسامح وكراهية الجدل والعنف والتشدد والمغالاة.. ولم تقدم لنا تلك المؤسسات مناظرات فكرية حية، تنطلق من دحض التوظيف المغلوط للأسانيد الدينية، التي يرتكز إليها الإرهابيون في ارتكابهم جرائم القتل والتصفية الجسدية والتفجير باسم الدين، لكن ما نجده للأسف مناقشات تليفزيونية تعمق الانقسام وتشعل الجدل..


ونسي هؤلاء أن ما نحتاجه هو حوار العلماء والمتخصصين المستنيرين في مناقشات بلا جمهور لا يفقه إلا قليلًا مما يقوله هؤلاء العلماء، ولا يستوعب تداول مثل الآراء الفقهية والأفضل أن تخرج توصيات مبسطة عن الأزهر والأوقاف والتعليم والثقافة يتداولها الإعلام، تبصيرًا للناس وإرشادًا للجيل الناشئ حتى لا ينجرف في تيار الإرهاب والتطرف..

أما المناظرات التليفزيونية الصاخبة التي تدار بمنطق المغالبة، فهى تؤدي إلى مزيد من الانقسام والتجرؤ على قيم المجتمع وثوابت الدين.. وقد رأينا سقطة المناظرة التي جرت بين الدكتور "سعد الدين الهلالي" و"إسلام البحيري" في برنامج "عمرو أديب".. وكيف أثارت من البلبلة والهدم أكثر مما أحدثته من يقين في وجدان المشاهدين.. فهل يمكن التعويل على مناهج الاستشراق التشكيكية، والأطروحات المنقولة في تجديد الفكر الديني لزماننا؟!

هل يكفي ذلك لإقناع الإرهابيين بالتخلي عن إرهابهم، أو يمنع انضمام بعض من الأجيال الجديدة التي يجري التغرير بعقولها، واستمالتها إلى صفوف جماعات التكفير والعنف و هدم الأوطان بدعاوى زائفة.. هل يمكن بمثل ما نراه من أعمال فنية هابطة ومناهج تعليمية متهافتة وكتب دون المستوى أن نرقي الوجدان ونغير الثقافة الجامدة المشوهة؟!

إن بناء النهضة وصياغة الوجدان وصيانة الأخلاق وتهذيبها وترقية العقول لن يتم بمثل ما نراه من حلول قاصرة ومسكنات لا تصمد في وجه واقع معقد، لا يجدي معه ثقافة الإملاء أو المنع أو المصادرة أو القمع.. وإنما لا بد من إطلاق حرية الفكر والبحث وفق ضوابط لا تجترئ على الدين، ولا تقلل في الوقت نفسه من أهمية العلم والعقل والموروث.. فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، وأخطاء الحرية لا تعالج إلا بمزيد من الحرية دون تجاوز أو انفلات أو هدم للثوابت..

ولا أدري لماذا لا ندرّس للأجيال الجديدة أفكار المفكرين الإصلاحيين العظام، حتى لا نتركهم عرضة لهيمنة فصيل بعينه و لمزايدات لا يدفع ثمنها إلا هذا الوطن.. لماذا لا نكرس لقيم احترام التخصص وأهل العلم في كل صناعة ومجال، إعمالًا بقول الله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" حتى يمتنع الرويبضة والمنتفعون عن الخوض فيما هو أكبر منهم.. متى نرى تفاعلًا فكريًا حقيقيًا يعيدنا لعصور النهضة الحقيقية بكل ما فيها من عمق واستنارة وتقدم إنساني حقيقي، حتى نمتلك من جديد ناصية العلم والفكر والحضارة؟!
الجريدة الرسمية