رئيس التحرير
عصام كامل

عندما يغيب القانون


قد يتساءل البعض: لماذا نجحت الساحرة المستديرة فى حصد كل هذا الإعجاب والإجماع والمشاهدة؟ ولا أبالغ إذا قلت إنها -أى كرة القدم- نجحت فيما أخفقت فيه السياسة، بل جمعت ما فرقته السياسة!!


والسبب فى رأيى بسيط للغاية، وهو شفافية ووضوح قواعد اللعبة وسيادة قانونها على الجميع دون استثناءات ولا وساطات وتحيزات، واستعداد المنافسين كلهم لقبول أحكامها مهما تكن مخالفة لهواهم، على عكس ما يحدث فى حياتنا هذه الأيام من عدم التسليم بأحكام القضاء ورفض الامتثال لسلطان القانون بدعاوى شتى، وهو ما يثير قلقا يستوجب الإسراع بالتغيير، تغيير الثقافة، وتغيير الأفراد على السواء!!

فى كرة القدم تنافس شريف يجرى وفق قواعد شفافة ملزمة للجميع ربما يعتريها قصور فى التحكيم أو فى الأداء، لكن ذلك هو الاستثناء وليس القاعدة وغدت «تاجر السعادة» لجماهير عريضة فى كل مكان وقبلة لاستثمارات تحقق عوائد ضخمة للدول بمليارات الدولارات يعود نفعها على اللاعبين والأندية والاتحادات والشركات الراعية وغيرها، وهو ما يضعنا مجددا أمام سؤال مؤسف يختلط فيه الجد بالهزل: لماذا لا تمضى أمورنا بسلاسة كرة القدم وشفافيتها؟!

لأننا أعطينا القانون إجازة واتخذناه مطية لأغراضنا وبرعنا فى النفاذ من ثغراته وتطويعه لغير ما وضع له، والنتيجة أن فقد القانون احترامه ومصداقيته وغاب أثره عن حياتنا، وصارت العدالة «فريضة غائمة» وحلقة مفقودة حتى وجدنا أنفسنا فى مجتمع تحكمه شريعة الغاب، ويسيطر عليه منطق القوة والبلطجة وتشيع فيه ثقافة الخطف والهبش والنهب والتكويش وغيرها من مفردات ثقافة «الزحام»، فممن فئة تتحصن بامتيازات تجعلها فوق القانون ومن فئة تستخلص لنفسها بطرق ملتوية مكاسب غير مشروعة، لذلك لم يكن غريبا أن تكون أهم أهداف ثورة يناير «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية» ولكن هل تحقق ذلك..!!؟

الخلاف فى الرأى بين مؤسسات الدولة لا يفسد للود قضية، وهو دليل حيوية وعافية طالما التزم المختلفون فى الرأى بروح القانون وسعوا لتحقيق غاياته، لكنه إذا أدى إلى الصدام وتغييب العدالة والحسم فإنه ينال من هيبة الدولة ويزعزع مكانتها فى نفوس أبنائها، وهنا يستلزم الأمر ضرورة إعادة الهيبة المفقودة للقانون وبسط سلطانه على الجميع دون استثناء، فالعدالة هى الطريق لمجتمع متماسك قوى يحتمى أفراده بسياج العدل، فهل يتحقق ذلك ولا تزال القدوة «غائبة» و«المرجعية» مفقودة، والفئة المنوط بها وضع القانون أو تنفيذه تستمرئ الحصول لنفسها على امتيازات تخرجها من عداد المساواة وتهدر مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع حتى غدت مخالفة القانون شيئا طبيعيا لا غضاضة فيه، وصار كل منا يريد تفصيل الأحكام وفق مشيئته وإرادته بغض النظر عن تأثير ذلك فى الآخرين!!

ويبدو طبيعيا فى سياق كهذا أن يتوق الرأى العام إلى التغيير، تغيير يعيد له الأمل فى إصلاح ما أفسده البعض، تغيير يعيد للمجتمع توازنه وتسليمه حكم القانون الذى يخضع الكل لسلطانه؛ وزيرا أو غفيرا طوعا أو كرها، تغيير يعيد للشارع انضباطه ويقضى على ما به من «فلتان» يكاد يهدد أمنه وسلامه الاجتماعى، ولكن هل حدث هذا التغيير..!!؟

ما يحدث من ارتباك وانقسام فى المشهد السياسى يدعونا لإعادة النظر فى أمور كثيرة لا مفر من مراجعتها، ففى غياب القانون كل شىء مستباح وهو ما يمهد لاهتزاز القيم وسيادة البلطجة وثقافة النهب والتكويش وشريعة الغاب!!

متى يصبح القانون فوق الجميع وأكبر من الأشخاص مهما تكن وظائفهم ومكانتهم ومتى نسد ثغرات القانون ليصبح كالسيف، قاطعا لكل يد تعبث به أو رجل تدوسه وتتخطاه، متى يستمد القانون قوته من تنفيذه على الجميع، ومتى ينحنى له الكبير والصغير.

يا سادة، الناس تنتظر أن تعاد للقانون هيبته، ولكن كيف؟! والناس تنام وتستيقظ على أزمة النائب العام، هل من حل؟ ومتى؟!
E_mail:Alihashem@eltahrir.Net
الجريدة الرسمية