الاستفزاز والتحرش بالشعب !
عندما تمر الشعوب بأزمات اقتصادية طاحنة متمثلة في ارتفاع جنوني في الأسعار وانهيار لا مثيل له في قيمة الجنيه وتوقف تام للسياحة وتراجع كبير في الاستثمارات واستمرار إجباري في الاقتراض من الخارج وانخفاض مرعب في التصدير وارتفاع كبير في الاستيراد يكون من الطبيعي، بل المنطقي أن يقوم كل من يطالب الطبقة الأكثر تأثرًا بالصبر والتحمل ويلملم أوراقه أو بمعنى أكثر دقة بالبلدي "يخلي عنده شوية دم".. ولا يقوم بتصرفات من شأنها استفزاز الشعب.
هذه المقدمة تعبر عن واقع مصر الأليم خلال هذه الفترة.. بالغالبية من الشعب تعاني وهذه الغالبية هي التي بيدها الاستمرار أو الانهيار وهي اختارت الصبر والاستمرار، ورغم ذلك تجد كل يوم من يتحرش بها لاستفزازها بشكل غريب.
والغريب أن من يقومون بالتحرش والاستفزاز هم من يخرجون علينا كل يوم مطالبين الشعب بالصبر من أجل البلد.. هم فئة الأغنياء الذين لا يشعرون بما يشعر به الفقراء.. ولكن لديهم براعة كبيرة في الحديث عن الفقراء أمام الشاشات فقط بحكم أن حديثهم عن الفقراء يأتي كجزء من أكل العيش والثراء الذي هم فيه.
وخلال الأيام القليلة الماضية يحاول هؤلاء التحرش واستفزاز من هم يعانون يوميا من الأوضاع الاقتصادية.. وسواء عن قصد أو دون قصد، فالنتائج مع مرور الوقت ربما تكون سلبية.. فمثلا وعلى سبيل المثال.. يتم نشر خبر مفاده أن إحدى القنوات الفضائية دفعت للفنان محمد رمضان 900 ألف جنيه لكي يظهر معها في ليلة رأس السنة.. وقناة أخرى تعلن بأن رونالدو نجم ريـال مدريد حصل على 250 ألف دولار للظهور في القناة لمدة 30 دقيقة فقط.. وقناة أخرى تقول بأنه تم دفع 150 ألف جنيه للاعب كرة لكي يجري معها حوارا تليفزيونيا.. ناهيك عن الموظف المرتشى بمجلس الدولة الذي تم نشر صور حقائب الفلوس التي حصل عليها ووجدوها في منزله وقيمتها 150 مليون جنيه.
فلتدفع القناة ما تدفع لأنها ستحصل على أضعاف ما تدفعه من الإعلانات.. وهذا بيزنس معروف ولكن ما المبرر في الإعلان عن كل هذه المبالغ المالية.. أهو صراع بين رجال الأعمال أصحاب هذه القنوات أم أنه تفاخر بأشياء لا تهم الغالبية العظمى من الشعب بل تزيد من حالة الاحتقان المكتومة.
فالدولة بكل عظمتها "تشحت" يوميًا الصبر من الشعب وبدأت التوغل داخل مستنقعات الفساد في محاولة جديدة لمنح بريق من الأمل لكل من هو مقتنع بأن الفساد في مصر كان ومازال وسيظل هو العائق الحقيقي للتقدم والتنمية.. والحكومة مغلوب على أمرها وتعيش في حالة من عدم التوازن من كثرة الصدمات الاقتصادية.. ولذلك لا داعي لكل هذا الاستفزاز من رجال الأعمال المحسوبين أصلا على النظام.. فما يفعلونه من استفزاز لمشاعر المصريين من خلال قنواتهم ستكون له آثار سلبية.. فـبلاش استفزاز يا مستفزين!