رئيس التحرير
عصام كامل

جرعة حنان أمريكي مغشوش !


الموقف الأمريكي الأخير من القضية الفلسطينية ليس جديدًا، هو موقف خادع، فكل إدارة أمريكية قبيل رحيلها ينبت فيها ضمير صناعي عارض، يستمر معها بضعة أسابيع، سرعان ما يجف ويسقط تلقائيًا، مع دخول رئيس جديد إلى المكتب البيضاوي، والقادم الجديد ترامب ابنته زوجة ليهودي، وهو نفسه جد لحفيد يهودي، ويراهن عليه نتنياهو حافظًا وراعيًا ومجددًا الولاء للدولة اليهودية، ولا نظن أن ترامب سيخذله، بل سيكون الراعي الأسمى لإسرائيل، وهو لم يضع وقتًا فهاجم الأمم المتحدة واعتبرها مكانًا للثرثرة وقضاء الوقت، أثر امتناع إدارة أوباما عن التصويت على قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، فصدر قرار بالإدانة ترتج له إسرائيل ويترنح منه نتنياهو.


القرار لأنه دولي أصابهم في المخ بحق، لكن الأعجب حقًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي منزعج جدًا ومصدق تصريحات كيري، الأخير في آخر كلماته تقريبًا قبل مغادرة منصبه قريبًا، كاد أن يبكي ألمًا على أن حل الدولتين بات في خطر بسبب سرطان الاستيطان، وانتبه مؤخرًا جدًا إلى أن عدد المستوطنين زاد مائة ألف مستوطن في سنوات حكم أوباما الثمانية، وأن ذلك يعني احتلال الأراضي الفلسطينية إلى الأبد! بل رسم الحل النهائي على أساس أن القدس عاصمة موحدة للدولتين، والعودة إلى حدود ١٩٦٧ مع تبادل الأراضي بين إسرائيل وفلسطين.

أهى صحوة ضمير؟!
بالطبع لا، فالضمير الأمريكى مات واندفن..

لكنها كلمات خارج سياق الفعالية، و هى غسل لصفحات أمريكية سوداء، ولعلها آخر ما سيتذكره المؤرخون عندما يسجلون حقبة أفول الإمبراطورية الأمريكية، المضحك حقًا أن نتنياهو أخذ كلام جون كيري بجدية واعتبره منحرفًا، الكلام يعني، و أنه مهووس بقضية الاستيطان، وأنه يترقب دخول القيصر الجديد ذي الشعر الأورانج !

الأعجب أيضًا أن العرب، خصوصًا الأخوة في فلسطين، يعيشون حالة يوفوريا عالية، أي انتشاء وابتهاج بما اعتبرته إسرائيل انقلابًا ضدها في مجلس الأمن، وما هى إلا عملية نصب سياسية جديدة سبقتها عملية استدراج للعرب، وقت جورج بوش الأبن للمشاركة في تحالف دولي عربي، وفي تقدير أي متابع، أن الفلسطينيين لن يحصلوا على حقوقهم الشرعية بينما هم منقسمون حماس إرهابية، وفتح تمثل ضمير القضية الفلسطينية لنتنياهو براعة ملحوظة في قلب ألوان الصورة إلى الأسود، فيجعل فتح إرهابية مثل حماس، وهى بالمناسبة صنع الموساد !

مع غروب أوباما تبين له أن ما تفعله إسرائيل يعني تكريس الاحتلال إلى الأبد، ومع شروق شمس ترامب سيظهر للعرب أن أوباما المتردد كان بردًا وسلامًا على قضية تحتضر وتختنق بأيدي أبنائها، تفرغ نفر منهم لنهش لحم البلد الذي أوهمهم ونصرهم وقاتل في سبيلهم وتدهور اقتصاده بسببهم عقودًا متصلة، لحم مصر.

المسرحية الأخيرة لإدارة أوباما، إنتاج مشترك، نصًا وتمويلًا، ومن الغريب أن الطرفين يصدقانها، ولعل هذا التصديق في حد ذاته هو ما خلق في الجانب الفلسطيني قابلية لتصديق ما لا يجوز، وهو أن فلسطين تحظى بمكانة خاصة في البيت الأبيض، أو أن أمريكا يمكن أن تتخلى عن إسرائيل.

إسرائيل تنعم بالسلام منذ عهد أوباما، والدول العربية تحارب بعضها بعضًا، في دفاع مميت عن سياداتها الوطنية. من السذاجة أن نتغافل عن أن مخطط أوباما وكيري و هيلارى، كان يستهدف خلق أكثر من فلسطين في المنطقة، لتعلو إسرائيل وتتعمق جذورها، بإنتاج داعش وتدريبها وتمويلها وتهريب قياداتها، معلومات كشف عنها أول أمس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي اتهم الإدارة الأمريكية بالنفاق !

في حضن بوتين تتدفق اعترافات السلطان الذي خذله الأمريكان، أما نحن فلن يسعفنا حضن في الشرق ولا في الغرب، ولن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية إلا بوقف الاعتماد على الأجنبي وإعادة التضامن العربي.
خطاب كيري بمثابة كاسحة جليد تمهد للبلدوزر ترامب نحو القدس.
الجريدة الرسمية