رئيس التحرير
عصام كامل

أردوغان رئيسا مدى الحياة


يبدو أن الديكتاتورية جين في المتأسلمين، تراهم يرحبون بالديمقراطية إلى حين الوصول، وبعد الوصول لا وصول لغيرهم، هذا هو الحال في تجربة تركيا التي كنا نتغنى بها، أو كان المتأسلمون يحاولون تصديرها كنموذج هاد للمسلمين الآخرين في أقطاب الدنيا، تغني بها الإخوان حتى وصلوا، وبعد وصولهم غيروا كل شىء، غيروا خارطة مصر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وفي السياسة الخارجية باعوا كل شىء بلا ثمن.


الحديث في تركيا الآن عن تجربة جديدة وفق دستور جديد، دستور الحاج رجب، وهو الدستور الذي يسعي حثيثا مع جماعته إلى إقراره ونظن أنهم سيقرونه، تقضي مواد الدستور الجديد بإلغاء منصب رئيس الحكومة، حيث تنتقل كل صلاحياته إلى الرئيس، وأيضا يقوم الرئيس بتعيين الوزراء ويقيلهم، وتتم مساءلتهم أمام فخامته وحده دون غيره، لا قضاء ولا برلمان ولا دياولو !!

وتنص التعديلات الجديدة التي ولدت من بنات أفكار أردوغان وجماعته، أنه يمكن لرئيس الدولة أن يكون حزبيا، وتطبق هذه المادة على الرئيس منذ إقرار الدستور، أي أن أردوغان يمكنه أن يعود لرئاسة حزب العدالة والتنمية فور إقرار دستوره الحميد.

ومن جديد الجماعة الشريفة النزيهة المؤمنة بالديمقراطية أن دستورهم الجديد يقول "ينتخب الرئيس لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة أخرى" بدءا من عام ٢٠١٩ وهو تاريخ انتهاء ولاية الحاج رجب، وبذلك سيترشح رجب عام ٢٠١٩ لمدة خمس سنوات تنتهي عام ٢٠٢٤، وبعدها سيترشح مرة أخرى ليظل قابعا على صدر السلطة حتى عام ٢٠٢٩، وهو المتربع على عرش السلطة منذ عام ٢٠٠٢، وبذلك يكون ووفقا للديمقراطية التركية جاثما على الصدور لمدة ٢٩ عاما بالتمام والكمال!!

وإذا ما نشبت أزمة بين البرلمان والرئيس، فالطبيعي ووفق منهجه الجديد ودستوره الوليد يحق له أن يحل البرلمان، كما أن بيده تعيين القضاة والموظفين الكبار ورؤساء الجامعات، غير أن الدستور الجديد وبتعديلاته يعطى البرلمان حق حل نفسه وفق عدد معين من الأصوات، وإذا تولي نائب بالبرلمان حقيبة وزارية فإنه يستقيل، وعلى الرئيس عبء تعيين واحد مكانه، ولا تجري انتخابات فرعية لاختيار آخر، بل تعيين من كان خلفه مباشرة من المرشحين الراسبين.

ومن شروط الترشح للرئاسة أن يكون المرشح حاصلا على تعليم عال دون تحديد نوع الإجازة العلمية، وبذلك يكون قد أغلق ملف الهمز واللمز، حيث إن سيادته حاصل على شهادة من معهد عال وليس كلية.. تلك هي أهم ملامح دستور المتأسلمين الذين وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، فحالوا بين الآخرين وبين الصندوق بهذه التعديلات التي لم يكن ينقصها إلا النص في الدستور "على أن يكون المترشح اسمه رجب طيب أردوغان"!!

لايتوقف الزيف عند المتأسلمين عند هذا الحد، فتركيا التي كانت تعلن دوما أنها تدعم الثورة والثوار في سوريا، وكانت تطلق على حاملي السلاح مصطلح ثوار، وكانت تطلق على الإرهابيين اسم ثوار، وكانت تمد كل إرهابيي العالم بالسلاح ضد الشعب السورى، فجأة وبدن مقدمات باعت ثوارها في صفقة أبرمت عندما ذهب معلنا ندمه للعم بوتين في أغسطس الماضى.. المثير أن الإخوان ومن على شاكلتهم، والعرب الذين كانوا يعتمدون على رجب في إسقاط بشار، هم من ساقوا لنا تجربة تركيا، وهم من دعموا رجب ضد كل محاولة إصلاحية في مصر.

وكما قال بشار الأسد إن تحرير حلب هو تاريخ عالمي جديد، فإن تحرير حلب ووأد التجربة الديمقراطية في تركيا، هو أيضا تاريخ جديد.. تاريخ لأفول نجم هذا البلد الذي حقق قفزات نوعية مهمة اقتصاديا على سبيل التحديد، وبهذه التعديلات لن يطال رجب وأتباعه درجة واحدة من سلم الوصول إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حلم عمر الإخوان في تركيا، إنه يعيد التاريخ إلى منطقة سقوط الدولة العثمانية بنفس المنطق، وبذات الأسلوب، وبمفردات قد تختلف باختلاف العصر غير أنها في النهاية بداية السقوط التركى في مستنقع العبودية، والديكتاتورية، وكل ألوان التخلف الحضارى.
الجريدة الرسمية