رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة تحارب الرئيس !


لم يعد في وسع أي مواطن عاقل ممن شارك في صنع ثورة الثلاثين من يونيو، أن يبرر لبقية خلق الله من المصريين سر تجرؤ التجار على الدولة المصرية، واندفاعهم بلا حساب نحو سلب كل مدخرات المصريين، إن كان لا يزال منها شيء.


لم يعد أحد يمتلك شجاعة الدفاع عن سياسات الرئيس السيسي؛ لأن معظم الناس، الذين كانوا نور عينيه، أخذوا ينسحبون من تحت جفونه، ليس واحدًا واحدًا، بل قطاعًا تلو قطاع، وطبقة تلو طبقة؛ لأنهم يرون في هذه السياسات الإصلاحية إفقارًا عاجلا للطبقة الوسطى وانتقامًا من دورها الإصلاحي، وهي بعد عماد الدولة العصرية، بل هي من قادت ثورة الحفاظ على الهوية المصرية في مواجهة حكم الرعاع الإخوان.

هل تنتقم الحكومة من هذه الطبقة الرائدة التي تدحرجت سريعا نحو حافة الفقر والمذلة؟
نعم تنتقم الحكومة !

وهل يعرف الرئيس السيسي أنها تنتقم من الأم المصرية الكادحة المدبرة، نصيرة الدولة وكلمة السر في فوز الرئيس في انتخابات الرئاسة ؟

الرئيس يرى الهوان الذي يحيط بالشعب جراء تواطؤ الحكومة بالصمت واللامبالاة، والترهل والإهمال الجسيم في مواجهة عصابات التجار التي تنهش لحم ودم الشعب المصرى، نعم يرى لكنه لم يجبر هذه الحكومة على أن تتخلص من خونة إخوان وعملاء في شرايين وزاراتها ومفاصلها، هم الخلايا الصامتة، تعطيك وجهًا مبتسمًا مطيعًا، وتخرب في الدولة من تحت لتحت. شريف إسماعيل رئيس وزراء لا يصلح، ويمقته الشعب، وهو رمز لسياسة الإفقار، وبقدر مقت الشعب له، أظن، وأخاف أن أظن أن رصيد الرئيس السيسي من الحب يتحول إلى ضيق وسخط.

فاقد الشيء لا يعطيه، ولن يعطيه، ولقد ثبت أن الحكومة واقعة تحت جبروت التجار، الذين رفعوا الأسعار رفعًا فاحشًا فاضحًا، بلا خوف من أجهزة حكومية رقابية.. تخرج الأخبار يوميًا إلى الناس بأن الرئيس اجتمع برئيس الحكومة ووزير التموين ووزير الداخلية ورئيس الرقابة الإدارية ورئيس هيئة الأمن القومي، مجلس حرب بحق، ويوصي الرئيس ويوجه بالسيطرة على الأسعار ومراقبة الأسواق وتوفير السلع.. كل يوم يوصى وكل يوم الحكومة تطنش! أكاد أتخيل المشهد كالتالي:

- يا باشمهندس شريف خلوا بالكم من الأسواق، الناس تعبانة والأسعار مولعة، والأعصاب شايطة، إحنا مش ناقصين، الناس جابت آخرها وكتر خيرهم مخرجوش علينا يوم ١١/١١..

ويرد شريف بأدب جم وصوت رخيم بلا همة:

- بنعمل أقصى ما لدينا وحنعمل وإن شاء الله حنعمل والتجار فاهمين وح يبسطوا الشعب ولا تقلق سيادة الريس !

جواب ماسخ، وفض مجالس، لأنه بلا أثر في الشارع ولا في الأسواق، كأنما تريد هذه الحكومة العاجزة أن تظهر الرئيس في مظهر من لا كلمة له، وأن الكلمة العليا للتجار والمتواطئين معهم.

لقد ضج الناس -بكل معنى الكلمة ضج الناس- هذه ليست سياسات إصلاحية، والأخ طارق عامر يقود المشهد بسياسات نقدية إلى موقف فوضوي، تتضارب فيه البنوك على حساب المواطن، وليس سرًا أن الناس ترى البنوك قد حلت محل السوق السوداء الموازية في المضاربة بسعر الدولار الذي انسعر بسبب رعونة سياسات عامر المستغربة من قطاعات واسعة من مجتمع الأعمال.
على من تقع المسئولية؟ على الرئيس.. ولماذا الرئيس ساكت ؟!

الإجابة عن هذا السؤال بالذات أشبه بالإجابة التي رد بها القرآن على الناس الذين سألوا عن الروح وحقيقتها فجاء الرد: قل هي من أمر ربي !

بالطبع سكوت الرئيس على فشل الحكومة وعلى جشع التجار وعلى غضب الناس ليس من أمر ربه وربنا، لكن يذهلنا أنه ساكت على من يخربون مشروعه الوطني ويفرقون عنه الكتلة الوطنية الصلبة التي يستند إليها في حربه للتعمير وفي مواجهة الإرهاب.

تحرك يا سيادة الرئيس.. انقذ ثورة الثلاثين من يونيو وطهر الحكومة من إخوان يعرقلون سياساتك ويجلبون سخط الناس عليك.. بينما تعمل أنت والجيش جاهدًا للإصلاح.. هم فشلة وخيالهم فقير.. استعن بالجسور الحكيم معًا وحقق أحلام الشعب في بناء دولة قوية ليس لا دولة جباية.

التجار اللصوص هم الجناح الآخر للإرهاب.. التاجر اللص يشن على الشعب حرب تجويع وتفليس والإرهابي يشن على الشعب حرب استنزاف دموية في أفراده وموارده. لماذا لا نسكت على الإرهاب، ونغض الطرف بل نستعطف النصف الآخر من كتائب الإرهابيين.. التجار الحرامية؟
الجريدة الرسمية