رئيس التحرير
عصام كامل

على اليمن السلام


لي في صنعاء أيام لا أنساها، أيام كنت أسير في أزقة مدينتها القديمة مستشعرا العظمة والتاريخ التليد، أيام دخلت فيها بيوت مثقفين ومسئولين وصحفيين، لا أنسى كرمهم، ولا معينهم الحضاري، ولا أجمل سهرات العمر بين شعرائها وكتابها ومثقفيها، ما زلت أتواصل بين الحين والآخر معهم، أتعرف على محنتهم، وأستنهض هممهم، وقد فرضت عليهم عمليات قتل وتدمير وتخريب واحتراب أهلي كانوا أبعد عنها حسب تاريخهم، وانصهارهم في بوتقة حضارية قالت عنهم "اليمن السعيد".


والتاريخ يقول إن لنا في اليمن أكثر مما لغيرنا، كنا وهم صناع حضارات، وكان غيرنا في الخيام، كنا وهم أصحاب مآثر، وكان غيرنا مجرد فتات مبعثر، كنا ولا نزال وكانوا ولا يزالون أجيالا يمنية تربت هنا في قاهرة المعز، عاشت بيننا وعشنا فيهم، ناضلنا من أجلهم، وناضلوا دوما من أجل قضايانا، ما زلنا الصرح العربى الوحيد القابل لخلق مساحات توافق بين الفرقاء، اليمنيون ينادون على مصر وعلى مصر أن تستجيب.

مطمعنا في اليمن أن يعود إليه استقراره، ومطمعهم في اليمن على غير ذلك، القاهرة هي الوعاء الدافئ لكل المتخاصمين في اليمن، ولا مناص من تحركنا إلى هناك، لابد أن نمد الأيادى وأن نساعدهم في محنتهم، أن نسقط على صنعاء بنائين ومشيدين، لا قنابل ولا صواريخ، أن نجمع شملهم، أن نوحد كلمتهم، أن نرمم ما خرب منها ونبني ما تهدم، أن نصلح النفوس.. على أرصفة القاهرة لابد وأن يجتمع أهلنا في اليمن، وعلى نواصيها نعيد أمجادهم واستقرارهم.

القاهرة عصية على الركوع، وصنعاء عصية على الخنوع، التجويع لن يركعهم ولن يدفعهم للاستسلام، ولن يصنع بطولة لكل من حاول هدم ناطحات سحابهم، اليمن فولاذية بحاجة إلى من يحنو عليها، ويستنهض همم أبنائها، اليمن ليس بحاجة إلى قنبلة، بل بحاجة إلى شجرة بن يمني عتيقة تمتد جذورها إلى أقدم من كل من حاولوا ويحاولون سحقها.

القاهرة بتاريخها مؤهلة لصنع السلام، القاهرة تقف على مسافات متساوية، وعليها أن تضطلع بدورها، كلما هاتفت صديقا يمنيا.. سألني أين أنتم..؟ كلما تحدثت مع زائر يمنى للقاهرة سألنى متى تتحركون؟

إن تحرك القاهرة ينقذ الجميع، ينقذ أهلنا في اليمن، وفي الرياض، ويحقق سلاما مهما للجميع، سلاما يحقن الدماء، ويحفظ الأهل، ويصون الأعراض، ويبني وطنا جديدا، يعتمد على الصداقة لا على التبعية، يعتمد على البناء والاستثمار لا على الاختراق بوسائل رخيصة ماعادت تجدى، يمن اليوم غير يمن الأمس.. لن يعود اليمن تابعا، ولن يكون ذليلا، ولن تحوله القنابل إلى مطية، القنابل ستزيد هذا الشعب قوة ومهابة.. تحركوا اليوم قبل أن يتحرك غيرنا، تحركوا لنقول سلام على اليمن قبل أن يفرض غيرنا عليهم زمن الانفصال.
الجريدة الرسمية