إعادة تحرير القاهرة
انتهى عصر تسليم مفاتيح القاهرة للاعبين إقليميين أو دوليين.. ذهب إلى غير رجعة زمن الانقياد ولعب دور السنيد الذي لعبته القاهرة لأكثر من ثلاثين عامًا كان مبارك خلالها يرتضي بدور "الكومبارس".
لم يعد مقبولًا أن تبيع القاهرة دورها أو تقايض به رضا عربيًا أو غربيًا أو حتى أمريكيًا.. وبات من الواضح أن مصر تتجه صوب ذاتها دون أن تغفل دورها العربي والأفريقي والدولي.
الدور المصري في سوريا دعوة إلى الثوابت القومية والإيمان المطلق بأن وحدة سوريا ضمانٌ مهم للأمن القومي العربي عامة والمصري على وجه الخصوص، والتحرك المصري في ليبيا يعيد للأذهان ضرورة حماية العمق المصري في طرابلس، والتفاصيل التي تناقش اليوم بين القاهرة وبغداد تستحق الإشادة.
ويظل الموقف المصري المتحفظ من إيــران واحدًا من الألغاز التي تستحق المراجعة.. نعم عمقنا العربي هو الأهم غير أن هذا العمق يقيم العلاقات مع طهران ويحرمها علينا.. أكثر من عاصمة عربية تحاول العبث في استقرار القاهرة على مستويات عدة الأخطر فيها لم يبدأ بعد، ومن هنا لابد من فك طلاسم الموقف المصري من طهران.
ملف الوهابية في مصر وظهيره السلفي هو أخطر الملفات التي ستواجه القاهرة في الأشهر القليلة القادمة، والتي سندفع خلالها ثمنًا كبيرًا من التضحيات على أيدي طابور خامس يستعد الآن لتفخيخ الهدوء النسبي والاستقرار الجزئي الذي نعيشه حاليًا، ومحاولة التقارب بين القاهرة وطهران والمضي بعيدًا عن عواصم عربية أخرى، ربما يكون ساعة الصفر التي ستنطلق بعدها جحافل التطرف والإرهاب بعناصر جديدة لتركيع مصر وإخضاعها وإعادتها مرة أخرى إلى حظيــرة التبعية.
التقارب "المصري - الإيراني" ودخول القاهرة كلاعب أساسي في صنعاء عن طريق إعادة بعث الحل السلمي وتحويل القاهرة إلى مسرح للحوار بين الفرقاء يصبح ضرورة من أجل حماية النسيج الاجتماعي اليمني قبل أن يصل إلى مرحلة الاحتراب الأهلي الذي تقوده "الرياض".
وإذا كانت الملفات الداخلية في مصر تتباين في وجهات النظر بين مؤيدٍ ومعارض للنظام، فإن التحرك الخارجي يستحق منا أن نفخــر بما تحقق، وأن نضغط من أجل المضي قدمًا لتحقيق ما لا يتحقق لإعادة القاهرة قلبًا عربيًا نابضًا وعمقًا أفريقيًا حيويًا وبطلًا عالميًا للسلام والاستقــــرار.