نصر أبو زيد وتنقية القرآن من الخرافة "3"
فى التباكى على الدكتور نصر أبو زيد، بعد رحيله، كتب فريد العليبى، على موقع "أوان": "بوفاة أبى زيد تخسر الثقافة العربية المعاصرة علمًا بارزًا من أعلامها، وبحساب السنين فإن عشر سنوات على الأقل من عمره الفكرى قد راحت هدرًا، كان يمكن أن يثرى خلالها الثقافة العربية ويعمّق ما ساقه من أفكار فى خضم الجدل الراهن حول الظاهرة الدينية الإسلامية!".
وأضاف: "اعتبر أبو زيد لغة القرآن لغة بشرية، إنها لغة قريش، لغة يفهمها النبىُّ والناس الذين يعيش معهم، والموكول إليه مخاطبتهم، وبالتالى يجب فهم القرآن فى علاقته بتلك اللغة تحديدًا، كما دعا إلى تأويل النص فى علاقته بسياقه التاريخى ومقاصده وأسباب نزوله، فالوحى رسالة موجّهة إلى البشر نزلت على مراحل واستدعت ردود أفعال من قبل الناس، فكان الناسخ والمنسوخ، ومحمّد ليس مجرد ساعى بريد، فالله يجادله وأحيانًا يزجره، والقرآن مشبّع بالسجال فهو يردّ على المنكرين عارضًا حججهم، مبيّنًا تهافتها، وفى المقابل يثنى على المؤمنين به باعتباره رسالة ربانية، مبشرًا إياهم بالخير العميم والفردوس المستديم، وهو-برأيه- ليس كله نصًّا مفهومًا واضح المعالم، لا ينقصه غير التطبيق، وإنما هو موضوع للتفكّر والتدبر، وبالتالى التأويل، ومن ثَمّ علينا إعادة قراءته على ضوء المناهج والعلوم الحديثة، وهو ما يعجز عنه رجال الدين لغربتهم عن علوم العصر".
الكاتب والمنظّر يوسف بن عدى، رثى "أبو زيد" بمقال معنون بـ"داعية التنوير".. جاء فيه :
إنّ رهانات أبو زيد من خلال مشروعه الفكرى العقلانى هى بلورة "نظرية التأويل" فى الثقافة العربية والإسلامية، ولعلّ بناء هذه النظرية إنما يتطلّب سبر آليات التأويل ذاته لدى الفقهاء والأصوليين والمتكلمين والمتفلسفة.. ذلك لبيان محدودية فكرهم التأويلى والنظرى على ضوء مستجدات الحداثة الغربية وتحولاتها المعرفية والفلسفية واللغوية. لذا تعقب الكاتب إشكالية التأويل أيضًا فى سياق الإسلام السياسى المعاصر ومدى استغراقه من مرجعيات التراث التقليدى، وتحويلها إلى أدوات الصراع السياسى والفكرى الحالى. إذن، ما مكوّنات الرؤية المنهجية فى فكر "نصر حامد أبو زيد"؟
إن منهجية أبو زيد، كما كتب عدى، ارتكزت على تمييزها بين مستويات ثلاثة من السياق، الأوّل "هو مستوى السياق التاريخى (…)، االثانى هو سياق القارئ أو الباحث المعاصر أو الباحث المعاصر الذى هو ناتج تفاعل المعنى التاريخى مع السياق فى بعده الراهن. وهذا يحيل إلى المستوى الثالث وهو مستوى "المغزى" الناتج عن تفاعل السياقين السابقين.
وعلى هذا فإنّ دراسة التراث دراسة نقدية تركيبة عند الكاتب إنما ترتبط بمقولة التأويل ذاتها، أعنى أنّ إشكاليات القراءة لا تقف عند حدود اكتشاف الدلالات فى سياقها التاريخى الثقافى والفكرى، بل "يتعدّى ذلك إلى محاولة الوصول إلى "المغزى" المعاصر للنص التراثى، فى أى مجال معرفى، حتى يتم تحقيق الوعى العلمى بالتراث، بعيدًا عن القراءات الأيديولوجية المغرضة. فشرط حصول العلمية بالفكر العربى هو استحضار النقد والتأويل والصيرورة التاريخية.. إلخ من مقولات التعقل التاريخى الحديث.
وهكذا فالتأويلية المقصودة لدى "نصر حامد أبو زيد" هى المتقاطعة مع أفق الفكر الفلسفى الحديث والمعاصر، أى مع "التاريخ والأنثروبولوجيا وعلم الجمال وعلم الاجتماع والنقد الأدبى"، بل أكثر من ذلك، فمفهوم التأويل لدى الكاتب، قد عرف اتساعًا فى الدلالة والمعنى، بحيث يتعلّق أيما تعلّق بالاحتمالىّ "بشكل واسع فى تأويله للقرآن والأحاديث النبوية على السواء"، وهذا ما عرف به ابن عربى فى فلسفة التأويل أو دراسته لتأويل القرآن.. ونكمل غدًا.
من كتابى "ضد الإسلام".. الطبعة الثانية.