رئيس التحرير
عصام كامل

المواطن بين مطرقة الحكومة وسندان التجار


عندما اتخذت الحكومة قراراتها برفع الأسعار من خلال تعويم الجنيه ورفع أسعار الطاقة أو المحروقات لم تضع في حسبانها أي آلية تحمي بها المواطن من الجشع المتأصل لدى التجار ومقدمي السلع، وغاب تماما الجهاز الرقابي عن الأسواق؛ الأمر الذي جعل السلعة التي من المفترض أن ترتفع أسعارها بنسبة 20% ترتفع لدى التجار بنسب تتجاوز أحيانا 100%، وذلك لأن التاجر يعلم أنه لا رقيب عليه ولا حسيب، فيرفع السلع كيفما يشاء متعللا بالقرارات الحكومية، ولا يجد من يردعه من أجهزة متابعة..


رغم أنه من المعروف أن بمصر أكثر من 30 ألف مفتش تمويني يصرفون مرتباتهم وحوافزهم وبدلاتهم دون عمل يؤدونه لهذه الدولة؛ بحجة عدم وجود تسعير، وبالتالي فقدوا دورهم، لكن الحقيقة أن دورهم مستمر وذلك لو أرادت الحكومة أو كانت جادة بالفعل في محاولة التخفيف على الناس بعد رفع الأسعار، فيمكن مثلا أن تحدد هامش ربح للسلع سواء الاستراتيجية أو غيرها، ويعمل المفتشون على التأكد من بيع السلع بالأسعــار المقررة.

صرح منذ فترة رئيس الوزراء بتشكيل لجنة لتحديد هامش الربح، لكن هذا التصريح ذهب أدراج الرياح، وكأن هذه الحكومة لا تستطيع أن تقف بالفعل أمام محتكري السلع من الحيتان الكبيرة؛ لذا تراجعت عن قراراتها في هذا الصدد وتركت المواطن يصارع الغرق وحده، ورغم وجود جهاز لحماية المستهلك فإنه عاجز عن القيام بوجباته، فليس له الثقل الشعبي الذي يجعل المواطن يثق فيه ويمتثل لأوامره، وذلك لأن هذا الجهاز غير معروف لدى غالبية المواطنين..

فالحقيقة البادية للعيان أن الحكومة تدعم المحتكر الكبير للسلعة الذي يتحكم في سعرها كيفما شـاء، والذي هو أصل البلاء ومن بعده تاجر التجزئة الذي يسرق وينهب في حدوده كيفما شاء دون أدنى رقابة من الدولة، وبالتالي تشتعل الأسواق ويعاني الناس رغم أن الحل البسيط يقتضي تحديد هامش ربح لجميع السلع، بل التسعير في أحيان كثيرة، ولا يوجد بند يمنع هذا التسعير في أي اتفاقية وقعتها مصر طالما أن ذلك التسعير سيمنع الجشع..

والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا تحتفظ الدولة حتى الآن بمفتشي التموين؟ ومتى ستقوم بدورها في الرقابة على الأسواق؟ ومتى سيقوم مجلس النواب يقوم بواجباته في ذلك الصدد ويشرع عقوبات مغلظة على جرائم التلاعب في الأسعار ليردع الجشعين الفاسدين من التجار والمحتكرين؟

الأمر يحتاج من الحكومة إلى وقفة جـادة لو أرادت السيطرة على الأسعار والسماح للفقراء والبسطاء بالعيش في ذلك الوطن، ولن ينفع المواطن أن يسمع كلامًا معسولا دون أدنى فعل أو تحرك إيجابي، ويكفي المواطن أنه بعد أن كان يلجأ إلى السلع التموينية لحمايته من الجشع وجد أن السلع التموينية نفسها قد زاد سعرها، ولم تعد تتضمن بالقدر الكافي ما يريده من سلع رئيسية مثل السكر والزيت، فبات لزامًا عليه أن يواجه غول الأسعار بنفسه.
الجريدة الرسمية