رئيس التحرير
عصام كامل

هل كشف الله أخيرا عن غضبه على إسرائيل؟!


تحت عناوين ضخمة تتفجر بالفرحة، امتلأت المواقع الإخبارية وصفحات الملايين من العرب والمصريين بحروف ضخمة بارزة، على أرضية من ألسنة اللهب، تقول "إسرائيل تحترق"..


ومع البحث المركز المكثف، المحموم عن صدقية تريح وتشفي الغليل، لن تجد سوى حرائق في غرب القدس، شملت الأحراش والغابات، ولم تمتد إلى البيوت، ولا انجرح إسرائيلي واحد في الكيبوتزات، أو المستوطنات.

وسواء كان الحريق ضخمًا هائلا، عجزت معه أجهزة الدولة الإسرائيلية عن إطفائه لشدة الرياح ولجفاف الهواء ونقص الأمطار، فاضطرت إلى طلب الإسعاف من تركيا وقبرص واليونان وإيطاليا، طائرات لمكافحة النيران، ليس لدى إسرائيل إذن طائرات لقتل ووأد النيران، لكن لديها بكل تأكيد طائرات لقتل الإنسان وهدم البيوت وحرق الأراضي العربية في القدس وغزة والضفة، لكن ما يلفت النظر بقوة، ويلوي العنق بشدة، هو حالة التشفي والارتياح العام التي سادت صفحات الملايين من سكان كوكب "فيس بوك"؛ لأن الحرائق تندلع في بلد كان الوحيد الذي نجا، عمدا بالطبع، من حرائق الربيع العربي التي أتت على الحضارة والعمارة، والزرع والضرع، والبشر والحجر في سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا، وكان مخططًا امتدادها إلى مصر درة التاج العربي والإقليمي.

كان منع الأذان هو الشرارة التي أطلقتها الريح المكلفة من السماء، كل ريح هي مسيرة ومكلفة، ومحملة بخط سير إلهي محفوظ، ومقدور، وموعده معروف، لذلك سميت بأسمائها، الرياح الموسمية، والرياح التجارية، ومنخفض الهند الموسمي، لكن قوتها وجبروتها يتباين.

ازداد الجبروت صباح أمس الأربعاء، ويزداد اليوم، ويبلغ أوج انفعاله وسخطه وبلطجته الثلاثاء القادم، وربما يتضاعف عدد الحرائق من ٢٢٥ حريقًا في يوم واحد هو الأربعاء إلى آلاف الحرائق !

ذلك حديث التمنى، شاع ويشيع، ساد ويسود.

يغذيه الشعور بأنه العقاب الإلهى العاجل لاجتراء نتنياهو رييس الحكومة الإسرائيلية الليكودي المتطرف، الذي رضخ لطلب ابنه بوقف استخدام مكبرات الصوت في المساجد لرفع الأذان في القدس لأنها تزعج نومه في الفجر، لولا وصول ترامب، وإعلانه أن حفيده يهودي، وهو عاشق لإسرائيل وحمايتها أمن قومي لأمريكا، ما قدمت الحكومة الإسرائيلية مشروع قانون بمنع مكبرات الصوت، وهي لم تقدم مشروع قانون لمنع الأذان، أقول ذلك كمعلومة بالطبع وليس دفاعًا عن دولة عنصرية نازية، من حق القارئ أن يعرف الحقائق، بغض النظر عن حواشيها وظلال المواقف المحيطة بها وتداعياتها على الكاتب ذاته.

من عجب أن معظم صور الحرائق والفيديوهات كانت على "فيس بوك"، وغابت عن الفضائيات، كأنما هناك اتفاق عام فضائي صامت على ضرورة عدم البث، ولا يحدث هذا عادة مع التوسع الفضائي في بث حرائق أستراليا الهائلة أو كاليفورنيا، بحرائقها وأعاصيرها وزلازلها.

ما فعلته إسرائيل في المسجد الأقصى، من حفر وهدم وتدنيس، وما تفعله في الآدمي الفلسطيني من قتل وسحل وتنكيل، وما تدمره من بيوت، وإشعال حرائق في حقول الزيتون الفلسطينية، وعدوانها المتصل منذ عشرات السنين، هو في الحقيقة أدعى إلى سخط الله من مشروع قانون لمنع تكبير صوت المؤذن عبر الميكرفونات.

لقد زغردت صفحات التواصل الاجتماعي أن أحدقت بهم الحرائق عقب الإعلان في الكنيست أن منع الأذان سيتم التصويت عليه، ولقد أجلوا التصويت أمس، وشرعنوا المستوطنات، وقرروا بناء ٥٠٠ وحدة سكنية جديدة، وسيتوغلون في التهام ماتبقى من أراضي القدس والضفة، مع بلوغ ترامب عتبة البيت الأبيض يوم عشرين يناير القادم !

نتمنى بالطبع عقاب الله الداهم لهم جزاء فجورهم ووحشيتهم وحرائقهم في الدول العربية، ونتمنى أن ينكل الله بالخونة من حماس الإرهابية جزاء إجرامها وتآمرها على أسيادها من الشعب المصري.. لكن الدعوات باللعنات والتمنيات تبقى لغة المحسورين نفسيًا المغلولين ذهنيًا العاجزين حركيًا، ويبقى التفسير الإلهي للحرائق مرتبطًا بتوقيت "منع الأذان بالمكبرات" مع هبوب الريح العاتية وجفافها ونقص الأمطار، هو ترطيب وجبر خواطر وهمي مبنى على التمنى لغلظة التطرف الإسرائيلي، بالتأكيد سيعاقب الله إسرائيل، على نحو سيدهشنا ويذهلهم، ولا بأس من بعض التشفي فيمن أحرق الأكباد، ولعلها رسالة أولية، لكن الصهاينة لا يجيدون قراءة السماء ! ونحن نجيد استدعاء اللعنات.
الجريدة الرسمية