رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة الانتخابات وصباح الصدمة


الثلاثاء ٨ نوفمبر.. ليلة الأربعاء.. التاسعة مساء بأحد فنادق القاهرة الأبية.. القاعة ضخمة.. الإجراءات الأمنية مثل فيلم أمريكى بالبعد الثالث.. الضيوف: شباب وشيوخ.. رجال ونساء.. سياسيون وصحفيون وكتاب.. أعضاء برلمان.. قادة رأى وفكر.. وعدد ضخم من موظفي ودبلوماسيي السفارة الأمريكية بالقاهرة.. الحدث: ليلة الانتخابات.. انتخابات الرئيس الأمريكي الجديد.

الأنشطة: متعددة.. ألعاب.. مسابقات.. شاشات عرض كبيرة.. منصة يظهر عليها السفير الأمريكي بين الحين والحين، يطالعنا ببعض الأرقام.. هناك وفي صالة الاستقبال أهم عشرة كتب مترجمة.. اشتريتها بتخفيض كبير.. وعلى طرف القاعة الكبيرة صندوق متوسط وبطاقات اقتراع، إذ يحق للمصريين والحضور عامة أن يشاركوا في انتخابات تمثيلية مبهرة.. بين الحين والحين يقتحم عليك أحدهم نقاشك ليسألك عن توقعاتك.. يحصل على الإجابة ويذوب في متاهة الزحام.

الأرقام على الشاشات توحى بأن المباراة ساخنة إلى أقصى درجة.. هنا نقطة وهنا نقطة.. هدف هنا وهدف هناك.. الأرقام تتقافز بحيث يصعب عليك التوقع.. ليلة دافئة.. احتفالية كبيرة بالصندوق حكمًا بين المتصارعين.. أحاديث جانبية عن ولايات ديمقراطية وأخرى جمهورية.. كان واضحًا أن عطلا مهنيًا أصاب قناة "سي إن إن" في مقتل.. القنوات الأخرى أكثر حيوية وديناميكية.

الساعة الآن الثانية عشرة من منتصف الليل.. لابد أن نغادر القاعة لنعود إليها في السادسة صباحا.. عدنا قبل السادسة والأرقام مازالت غير موحية.. السابعة تحمل جنينا غير الذي يتوقعه البعض.. الثامنة ملامح الصورة تسير في الاتجاه المعاكس.. التاسعة تجاعيد الصدمة ترتسم فوق الوجوه.. التاسعة والنصف: ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.. العاشرة صدمة توحى بأن التجربة الديمقراطية الأمريكية في مأزق يتشابه إلى حد كبير مع وليد في المنطقة العربية جاء مشوهًا.

الحادية عشرة اتصال تليفونى من إحدى القنوات، يسألنى عن المعنى والمغزى.. أقول بلا تردد: «شالوا ألدو.. حطوا شاهين».. أردد: النص ثابت والممثلون متغيرون.. الكتابة واحدة إذا قدمها عادل إمام يصبح لها مذاق غير الذي يقدمه فؤاد المهندس.. نبرات الصوت.. حركة الجسد.. إشارات اليد.. قسمات الوجه.. كل هذا ملك الممثل على خشبة المسرح، أما النص فهو ثابت بثبات صناع القرار في المجتمع الأمريكي.. اللوبى لم يتغير إنما تغيرت الأدوات.. النص ثابت يؤديه ترامب بقدرات إبداعية غير قدرات هيلاري كلينتون.

أعود بالذاكرة إلى مايو عام 2001.. عندما كنت واحدا ضمن عدد من شباب الإعلاميين، قد دعينا للولايات المتحدة وفق برنامج الزائر الدولى، تلك الزيارة التي كانت ولا تزال فارقة في تصوراتي عن المجتمع الأمريكي، ومراكز صناعة القرار.. لأكثر من عشرين يوما.. زرنا وزارة الخارجية وتحادثنا مع بعض مسئوليها.. زرنا الكونجرس وتجولنا حول البيت الأبيض.. التقينا أطيافًا سياسية وفكرية وقابلنا أعدادًا كبيرة من منظمات المجتمع المدنى.

التقينا منظمات وهيئات كثيرة.. التقينا أكبر تنظيم عربى وحاورنا السيد نهاد عوض.. التقينا أكبر تنظيم إسلامى "كير"، وحاورنا شبابا مصريين وعربا آخرين داخله، واطلعنا على كيفية إدارة هذا العمل ليصبح ضاغطًا على الساسة الأمريكيين.. التقينا أكبر منظمة إسرائيلية والمسماة «إيباك»، ورأينا صورة الدكتور سعد الدين إبراهيم تتصدر صالة الاستقبال وعرفنا كيف يصنعون جزءًا مهمًا من صناعة القرار الأمريكي.

زرنا خمس ولايات، ودعينا إلى منزل سيدة أمريكية تناولنا لديها غداء دافئا.. اقتربنا أكثر من مراكز صناعة القرار.. رأينا كيف تمسك اللوبيز بالريموت كنترول لإدارة ماكينة الكونجرس الأمريكي.. اطلعنا على طريقة تعاطي التجمعات العرقية مع أعضاء الشيوخ والكونجرس، وبالتالي إدارة البيت الأبيض.. علمنا أن العرب فشلوا في إنشاء جماعة ضغط مؤثرة لأنهم هاجروا ومعهم خلافاتهم.. هاجر السوري سوريًا واللبناني لبنانيًا والمصري مصريًا.. لم يهاجروا كعرب ولم يلتقوا هناك كعرب.. حملوا معهم كنزا من الخلافات فضاعوا وأضاعونا.

في أمريكا يصنع القرار في غرف جماعات الضغط.. أثناء انتخابات الكونجرس.. الممولون جزء من الإدارة.. في بلد ينتخب مليون منصب لا مكان للإدارة الفردية.. الأصل لجماعات الضغط وحتى تاريخه لا تزال القوى المهيمنة في الشارع والمؤسسات ومراكز الدراسات والجامعات صهيونية التوجه والنشأة.. لذا ومن أجل ما سبق، نقول: «شالوا ألدو؛ حطوا شاهين.. تتغير الشخصيات وجماعات الضغط لا تزال واحدة وهم وحدهم من يكتبون النص».
الجريدة الرسمية