رئيس التحرير
عصام كامل

شجاعة الرئيس.. وشجاعة المصريين!


إذا كان الإصلاح الاقتصادي واجبًا على الدولة فإن حماية الفقراء من آثاره القاسية فريضة على الحكومة، لا يصح أن تتحلل منها بالاكتفاء بتحميل الناس فاتورة الإصلاح دون إجراءات عملية تضمن نجاح هذه الإصلاحات، وحتى لا نعود إلى مربع الصفر من جديد لعدم اكتمال جوانب الإصلاح ومقوماته.. واجب الحكومة ليس حماية الفقراء فقط بل حماية الطبقة الوسطى الآخذة في الانهيار والتآكل أيضًا، وأن تحاكي تجارب الدول الناجحة اقتصاديًا، وأن تجبر الأغنياء على تحمل نصيبهم العادل من فاتورة الإصلاح، وألا تأبه بفزاعة هروب الاستثمار التي يرددها المرجفون والمستفيدون من الأوضاع القائمـة.


على الحكومة أن تتحمل نصيبها العادل من الإصلاح هي الأخرى، وأن تضاعف الجهـد وتذلل عقبات الاستثمار بتشريعات منضبطة وإجراءات إصلاحية تنسف البيروقراطية وتجتث الفساد الإداري من جذوره، على الحكومة والبرلمان الإسراع لإصدار قانون الضريبة التصاعدية والضريبة على الثروة وعدم تحميل الفقراء والطبقة الوسطى المزيد من الضرائب على الدخل الذي تراجعت قوته الشرائية بشدة في الآونة الأخيرة، وكفاهم ما أخذ منهم بقانون القيمة المضافة وضريبة الدخل.

وعلى الحكومة والبرلمان إعلان خطوات إجرائية وتشريعية ملموسة ومدروسة لقطع الطريق على المحتكرين والمتاجرين بأقوات الغلابة، وإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور، والالتزام الصارم بالحد الأقصى، وعدم استثناء أي قطاع بالدولة منه.. وتحسين الخدمات الصحية والتعليم ودعم الطبقة الوسطى منبع الإبداع، وقاطرة أي تقدم، وحمايتها من الفقر الذي أكل قطاعًا لا يستهان به منها.

اقتصادنا في حاجة لإصلاح حقيقي لا يكفي معه إجراءات تقليدية جربناها، ولم تؤت ثمارها المرجوة، اقتصادنا في حاجة لبيئة أكثر شفافية وجذبًا للاستثمار والسياحة وزيادة الصادرات وفتح المصانع المغلقة، ومواجهة التلاعب بالأسعار، ومد مظلة الدعم الحقيقي لمستحقيه.

الأمر أكبر بكثير من أن تتحمله الحكومة وحدها أيًا ما تكن قدرتها.. البلد في حاجة لجهود جميع أبنائه.. هذا وقت الأحزاب والمجتمع المدني الرشيد والمفكرين والعلماء والنخبة والإعلام ورجال الأعمال لإعادة التوازن للشارع وتوضيح الحقائق والنقد الهادف ودحض الشائعات التي تبثها الكتائب الإلكترونية للجماعة الإرهابية لإصابة الناس بالضيق والغضب اللذين يساعد عليهما للأسف غياب الرؤية السياسية لبعض المسئولين وعدم تحركهم بالجدية اللازمة لملاحقة خطى الرئيس.

لا شك أن الفقراء والبسطاء يتحملون أكثر من غيرهم ثمن القرارات الاقتصادية الصعبة، ورغم ذلك فهم لا يزالون خلف قيادتهم، مؤمنين بأن الخطر لا يزال قائمًا، مدركين عمق رسالة الرئيس ومغزى إصلاحاته لصالح الأجيال القادمة.. لكن لسان حالهم يقول: متى نتنفس الصعداء ومتى نجني ثمار الإصلاح.. ومتى نشعر بأن الأغنياء يتحملون نصيبهم العادل مثلنا..؟!

وإذا كانت قرارات الرئيس شجاعة فإن شجاعة المصريين في تحملها لن تقل أبدًا عن شجاعة الرئيس.
الجريدة الرسمية