طارق حجي.. المفكر النتاش!
كلما أطل علينا المفكر والكاتب والأديب والمثقف والعالم -هكذا يصف نفسه دوما- طارق حجي، أتذكر قصة الإمام الجليل أبي حنيفة، الذي اعتاد أن يجالس تلامذته وهو ممدود القدمين، بعد أن استأذنهم في ذلك الأمر، لأن الإمام كان صاحب مرض في ركبتيه، وذات مرة وبينما هو مندمج في منح تلامذته درسًا دينيًا، لمح رجلا يدخل المسجد متجهًا إلى مجلسه، متخذًا مكانه بين تلامذته، وكان الرجل ذا هيبة ووقار، يرتدي حلة بيضاء، وتكسو وجهه لحية كثة مهابة، فاضطر الإمام إلى أن يعقص رجليه إلى الخلف، ثم طواهما وتربع تقديرًا واحترامًا لهذا الشيخ الجليل المشارك حديثًا في الدرس.
كان الإمام يحادث تلامذته في موضوع دخول وقت صلاة الفجر، وهم يكتبون ما يقوله، والشيخ الوقور يرمقهم بنظرات حادة، ثم قال دون استئذان: إنى سائلك فأجبني، فشعر الإمام أبو حنيفة أنه أمام شخصية علمية واسعة الاطلاع، وقد جاء لإحراجه في مسألة عصية، فقال له: تفضل واسأل.. فقال الرجل: أجبني إن كنت عالما في الفتوى متى يفطر الصائم؟.. ظن أبو حنيفة أن في السؤال مكيدة أو سرًا كبيرًا لا يدركه بعلمه، فأجابه على حذر: يفطر الصائم إذا غربت الشمس، فقال الرجل وعلى وجهه علامات الجد والحسم والحزم، وكأنه أمسك الإمام في خطأ فادح وقال: وإذا لم تغرب الشمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يفطر؟
تكشف الأمر وظهر أن الرجل مجرد لباس ولحية.. باختصار.. منظر، فقال الإمام أبو حنيفة قولته الشهيرة: الآن آن الأوان لأبي حنيفة أن يمدد قدميه!!
طارق حجى يطل علينا من هنا، وأنا أمدد رجليّ عن آخرهما في وجهه، وهو يحادث مذيعين وإعلاميين وصحفيين، صحيح لست أبا حنيفة، غير أن حجي نفسه لا يماثل الرجل الفخيم الذي اقتحم على أبي حنيفة مجلسه.. آخر افتكاسات طارق حجي ما أتحفنا به في مجلة «نصف الدنيا» من حوار، لم يخل من مقدمة تصف سيادته بالمفكر والكاتب والأديب والمنظر الليبرالى، وجملة أخرى من الأوصاف لم يحظ بها فلاسفة اليونان، ولا أدباء الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس فأضحت لا تشرق عليها شمس!!
قال -لا فض فوه- من الخزعبلات ما لا يدخل عقل الرجل الذي تساءل، وماذا لو لم تغرب شمس هذا اليوم؟.. قال وهو الذي قرأ ٣٢ ألف كتاب، لا أعرف لماذا ٣٢ ألفًا ولماذا لم يكونوا ٣١٩٠٠ مثلا.. قال إن اللواء عمر سليمان حي لم يمت، يا عفريت.. يا جن مصّور.. يا مفكر.. يا عبقري.. يا أديب.. يا خزعبلي.. يا كل الحاجات التي كانت والتي لم تكن.. يا فهلوي.
بالتأكيد قراءات طارق حجي وتعمقه في صفحات المراجع، وروايات آرسين لوبين، ونوادر أمنا الغولة وقصص الشاطر حسن ومكائد أبو رجل مسلوخة أوصلت سيادته إلى هذه الحقيقة التي غابت عنا نحن الجهلاء والأغبياء والحمقى.. فعلا مفكر وأي مفكر.. مفكر في "البلالة" والبلالة كلمة شعبية مصرية توحي بما لا يصل من وحى إلا لأمثال طارق حجى، مفكر نتاش، ونتاش في اللغة العربية تعني من يرمي القول بلا حساب، ويبالغ في الخبر عن نفسه وغيره، فلا يوثق بقوله ولا روايته!!
أما الصاروخ الثانى الذي أطلقه سيادته في الحوار فهو أن شركة شل العالمية اختارته عضوا منتدبا لها، ليس لأنه مهندس بترول أو محاسب شاطر، وإنما اختارته لسعة ثقافته وعلمه التام بمنطقة الشرق الأوسط، فهو كما نعرف، يعلم تماما أين يقع كبد الشرق الأوسط وأين معدته وأمعاؤه الرفيعة والغليظة، هو متخصص في شئون الشرق الأوسط، اختاروه لأنه قرأ كتبا ومراجع، وبهذا التصور كان من المفروض أن يتولي الدكتور طه حسين شركة شيفرون العالمية، ويتولى نجيب محفوظ شركة BP البريطانية، ويصبح لزاما على أرامكو السعودية أن تولى شئونها ليوسف إدريس وهكذا نتحكم نحن في سوق البترول.
المثير أن طارق حجي لم يخبر محاورته شيئا عن طرده أو إقالته من شركة شل العالمية التي تختار قراء الكتب في أعلى مناصبها.. ربما اكتشفوا أن هناك كتابا صدر ولم يقرأه وبالتالى أصبح غير قادر على القيام بأعباء وظيفته واختاروا لها قارئا جديدا.. هو يعلم ونحن نعلم لماذا طرد من شل؟!!
من أظافره يعرف الأسد وقطع ذيل الكلب لا يكفى كي يصبح حصانا، والمسوح لا تصنع راهبا.. هكذا يقولون؛ إذ لا يكفي أن تقول عن نفسك إنك مفكر لتصبح مفكرا، ولا يمكن لشخص أن يمنح نفسه لقب أديب ولا يجوز لأي منهما مفكرا كان أو أديبا أن يصف نفسه بالوطني الغيور.. اعترف أن هذه العبارة خروج عن النص، فإلى النص لنكمل حواديت طارق حجي الكاتب والمفكر والأديب وخبير البنزين.
ثالث مفاجآت طارق حجي ترتبط بحال كونه لابد وأن يضع اسم قداسة البابا شنودة عليه رحمة الله في جملة مفيدة، فاقتران اسمه باسم قداسة البابا يمنحه قدرا وقيمة بلا شك.. قال معلنا إنه تدخل لدى البابا ليمنح راهبا بلغ الثالثة والتسعين من عمره إذنا للسفر إلى الأرض المحتلة ليمضي في طريق الآلام قبل أن توافيه المنية، وبالطبع رفض البابا ذلك وهنا يعلن المفكر والأديب والكاتب وخبير المازوت أنه كان يقصد بتدخله أن يسافر البابا إلى الأرض المحتلة.
يعترف حجي أنه داعية تطبيع وأن البابا العظيم لقنه درسا بالرفض القاطع، فهو صاحب عبارات زاهية في تاريخنا بهذا الصدد.. هو القائل سأدخلها ويدي تعانق أيادي المسلمين.. المفكر يعترف بمحاولته إغراء القديس بزيارة تاريخية.. يلعب مع البابا على وتر العاطفة الدينية وهو في أواخر أيامه، والبابا يرفض لعب الصغار لأنه كان كبيرا وطارق صغيرا ومحدودا للغاية.
لن أفوت الفرصة وسأذكر لكم كيف يفكر مفكر التعاسة والخيبة، عندما كتب على صفحته بفيس بوك كرد فعل على تطاول الكاتب السعودى خاشقجى.. يقول طارق حجى المفكر والأديب والكاتب وخبير السولار "أطالب أي مصري بأن يستفرغ معى على أي شيء يلبس الثوب والعقال.. أموت من الضحك عندما أسمع نبرة تعال خليجي، فأنا رجل عندما أسمع تعبيرا مثل المفكر السعودى أردد كيف يجمع إنسان بين فكرتين متناقضتين في كلمتين؛ مفكر وسعودى، فالإنسان إما أن يكون مفكرا وإما أن يكون سعوديا ولكن من المستحيل أن يكون شخص واحد مفكرا وسعوديا في نفس الوقت، فهو قول يشبه: إن فلانا طويل وقصير أو أن فلانا نحيف وبدين".. هل رأيتم مفكرا مثل طارق حجى؟ هل وجدتم كاتبا بهذا الهطل وهل وجدتم أديبا بهذا السفه؟.. قولوا معى ومددوا أرجلكم على آخرها آن الأوان لأن نمدد أرجلنا في حضرة طارق حجى.
ملحوظة: الهطل هو التدفق، والسفه هو الفظاظة.