هذه هي طبطبة الحكومة يا ساويرس!!
عقب قرار تحرير الجنيه وتركه في العراء في مواجهة غير متكافئة مع الدولار، "انفكت صواميل" النقد الشعبى وخرج الناس عن صمتهم واتشحت صفحات التواصل الاجتماعي بالسواد، وكثير من الغضب وأمواج من مصطلحات خرجت عن دائرة الأدب والحكمة.. في ظل فترة الريبة المزعجة وانطلاقا من عدم الثقة بين مواطن يسمع كثيرا من الوعود ويحصل على فتات من تلك الوعود وفي إطار عجز حكومى عن الوصول إلى عقول الناس وقلوبها.. كادت تنفجر الشوارع ولا تزال.
في هذا التوقيت تدخل المهندس نجيب ساويرس كرجل أعمال ومؤسس لواحد من أكبر أحزاب ثورة يناير، وظهر في تعليقات عبر عدد من البرامج أثار بعضها شهيتنا لممارسة حق الاحتجاج على ما قال وعلى ما ذكر وعلى ما وصف، فالرجل يرى أن القرارات الاقتصادية تأخرت عشرين سنة، ولأننا نتفق معه فإن هذا هو الإطار الذي نعارضه منه في ذات الوقت، حيث نرى أن الحكومة سجلت هدفا من وضع التسلل، وأهداف التسلل عادة ما يحتسبها الحكم خطأً على الفريق الذي ظن أنه صاحب هدف.
ولأن القرارات تأخرت عشرين سنة فإن هذا التأخير كان يفرض على الحكومة أن تتخذ من التدابير ما يجعلها قادرة على التسجيل في الوقت الضائع.. ولنجاعة القرارات شروط أولها أن تعرف الحكومة جيدا الخطوات التالية، ونحن نعيش مع حكومة لا تعرف أن السيول تأتينا كل عام.. حكومة لا تعرف أن شهر رمضان واحد من شهور السنة.. حكومة تفاجأ بأن لدينا عاما دراسيا.. حكومة تكتشف فجأة أن البلد بدون سكر، وقريبا ستفاجأ الحكومة بأن لدينا سحابة سوداء وأننا على أعقاب أزمة أرز.
قال ساويرس إن دعم الطاقة يصل للأغنياء، وهذا صحيح غير أن الواقع أثبت خلال ثمانية وأربعين ساعة، أن ارتفاع سعر المحروقات حرق أعصاب الميكروباص وأشعل النار بين الناس من سائقين إلى ركاب.. أزمة دفعت محافظ الجيزة لأن يخاطب سائق الميكروباص بقوله: إن أي جنيه زيادة ستحصل عليه ستدفعه زوجتك للدكتور.. في النهاية طلع السواق مش متجوز.. حكومة تفسر قراراتها بناء على ترمومتر سعادة وفرح زوجة رئيس البنك المركزى ومرض زوجة سائق الميكروباص.
أقول لـنجيب: كيف طاوعك قلبك على أن تقول إنه لا يوجد في العالم حكومة بتطبطب على شعبها مثل مصر؟ وأنت تعرف أن الحكومة تدعم الخبز، لأن المواطن لا يأكل إلا خبزا.. هل هذه طبطبة؟.. شعب لا يجد مكانا للعلاج.. لا يجد مكانا لطفل يلتحق بالمدرسة في فصول وصل عددها إلى مائة تلميذ للفصل.. شعب يعانى ثلثاه من أمراض مزمنة دون علاج.. شعب بلا مستشفيات ولا طرق.. شعب يشرب الماء مخلوطا بالصرف.. هل هذه هي مواصفات شعب "تطبطب عليه الحكومة"؟!
المثير أنك تصدق أن الحكومة ستصل إلى الفقراء لتمنحهم حقوقهم وأنت العالم ببواطن الأمور.. أنت المدرك لإمكانيات الحكومة.. ألا تعانى وأنت الغني بما أعطاك الله؟.. ألست تناضل منذ سنوات لإطلاق عشرين مشروعا جديدا دون جدوى.. ألست وعدد كبير غيرك تعانون من أجل صياغة قانون جديد يغرى الدولار للإقامة على أرضنا والاستثمار في خيرات بلادنا دون جدوى..
إن الذين يتابعون نجيب ساويرس عن بعد قد يُشق عليهم فهم شخصيته فهو رأسمالى ينتمى إلى أسرة توصف بأنها أكبر دافع ضرائب في مصر وفي ذات الوقت كان الفاجومى شاعر الغلابة ولسان حال الفقراء أحمد فؤاد نجم واحدا من أقرب أصدقائه.. وساويرس عن بعد رجل الأعمال الذي يلعب بالفلوس لعبا، على حد وصف الحاقدين عليه، والساحر الذي يحول التراب ذهبا على حد قول رجال المال والأعمال، ومع ذلك فلا تندهش عندما ترى أنه قريب من شيوعيين واشتراكيين ومعظم قادة حزب التجمع على سبيل المثال من أصدقائه.. يقدرهم ويقدرونه.
هل ساويرس شيوعى؟.. بالطبع لا.. هل هو اشتراكى؟ بالطبع لا.. هل ينتمى إلى الرأسمالية المتوحشة؟.. يبغضها.. ساويرس يميل إلى التجربة الألمانية في رأسماليتها وهنا مربط الفرس وأحد أهم أسباب اختلافنا معه إزاء ما أدلى به من تصريحات حول قرارات الحكومة فهو العارف بأسرار وتفاصيل التجربة الألمانية التي تضع سياجا حاميا للإنسان لم تضعه نظريات لينين وماركس.. تجربة تعظم من قدر الإنسان وحقوقه وتحميه من المرض والعوز والحاجة.. تعالجه وتعلمه وتمنحه فرصة للإبداع وللعمل وبعد كل ذلك تأخذ منه ثلث راتبه وعند المعاش تحوله إلى مليونير يستطيع أن يعيش في أي مكان في العالم بما يحصل عليه من معاش.. أظن أن من حقنا أن نقول لنجيب ساويرس: في ألمانيا الطبطبة على حق وفي مصر انحرفت يد الحكومة وانتقلت الطبطبة إلى منطقة ما بين الرأس والكتفين من الخلف والمسماة علميا بالقفا!!