رئيس التحرير
عصام كامل

الأموال الساخنة


تحدثنا المرة السابقة عن اعتماد النظام البائد فى آخر سبع سنوات من حياته على القطاع الخاص المصرى وعلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى الارتفاع بمعدلات النمو الاقتصادى، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل سمح النظام فى النهاية للاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل والتى يطلق عليها (الأموال الساخنة) بالدخول السهل لمصر رغم سابق ما سببته هذه الاستثمارات للمواطنين المصريين المتعاملين مع البورصة من خسائر فادحة فى منتصف تسعينات القرن الماضى.


ورغم ما لتلك الاستثمارات من سلبيات إلا أن حكومة نظيف والبنك المركزى المصرى بتعليمات من لجنة السياسات قد فتحا لها باب مصر على مصراعيه.

هذه الاستثمارات تدار بعقليات محترفة ذات خبرات كبيرة فى مجال الاستثمارات المالية وهى تدخل للبورصات الصاعدة للاستفادة من نقص خبرة القائمين عليها وكذا المتعاملين معها من المحليين وترتفع تلك الاستثمارات بالأسعار بشكل فقاعى وغير مبرر ثم تقوم بعمليات جنى للأرباح والخروج السريع بصورة مفاجئة مخلفة وراءها خسائر مدمرة للمضاربين المحليين.

كما تدخل هذه الاستثمارات أيضا عند طرح سندات بعوائد مرتفعة للاكتتاب والبيع بعد التخصيص محققه أرباحا كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة.

كما تدخل أيضا الأموال الساخنة لشراء شركات ضمن برامج الخصخصة فى الدول النامية وتكون بهذه الشركات أصول ثابتة لها قيمة كأراض وعقارات لا من أجل الإصلاح الهيكلى للشركات وإعادة الإنتاج والتشغيل بشكل يحقق أرباحا ويضيف قيمة للاقتصاد بل من أجل تفريغ الشركة من أصولها ببيعها وتحقيق أرباح سريعة والخروج أيضا ببيع الشركة بعد تجريدها من أصولها أو حتى تركها بعد بيع أصولها لمن باعها.

تحقيق هذه الاستثمارات لمكاسب ضخمة وتحويلها للخارج يعمل على تباطؤ معدلات نمو السيولة المحلية وهذا التباطؤ لو استمر لفترة زمنية فهو يؤدى لحالة من التعثر المالى شهدناها فى مصر فى بدايات هذا القرن وملفها لم يغلق بعد.

ومع الوضع فى الاعتبار أن الأموال الساخنة كانت سببا من أسباب التعثر فى مصر بجانب أسباب أخرى كثيرة أهمها دخول الدولة فى مشروعات ضخمة لم تدر عوائد مناسبة مثل توشكى هذا بخلاف التكالب على مشروعات إسكان فاخر لم يكن عليها طلب فى نهاية القرن الماضى وبدايات هذا القرن.

والاستثمارات الساخنة تؤثر وبشكل سلبى على قيمة العملة الوطنية أمام الأجنبية فهذه الاستثمارات تتسبب دائما فى حدوث ارتفاعات غير مبررة لأسعار العملات الأجنبية وهو ما له تأثيرات سلبية كبيرة على معدلات التضخم وعلى مديونيات العملاء بالعملات الأجنبية بالبنوك خصوصا إذ ما تكثف دخول وخروج هذه الاستثمارات خلال فترات زمنية متقاربة كما أنه له أيضا تأثيرات سلبية على الاحتياطيات الدولية من العملات الأجنبية للدولة.

كما أن هذه الاستثمارات قد تكون محفزا للاستثمارات المحلية على الحذو مثلها وتحقيق أرباح على حساب المواطن المحلى وهو ما نؤكد أنه حدث بالفعل بالبورصة المصرية فأصحاب رءوس أموال ضخمة من المصريين ساهموا بتصرفاتهم فى الارتفاع بالأسعار وبشكل غير مبرر ومقصود منهم لتحقيق أرباح على حساب صغار المتعاملين الذين يقومون مقام الأموال الساخنة وقد ساعدهم القائمون على البورصة بإصدار قرارات لتهيئة الأجواء لأصحاب الثروة فى زيادة ثرواتهم على حساب المتعاملين البسطاء.
الجريدة الرسمية