رئيس التحرير
عصام كامل

أوباما وتدمير الدول العربية


مع ولاية أوباما الأولى قبل ثماني سنوات أغرق المتفائلون منا في الحلم الأوبامي، وأعجبتهم نبرة الأمل والحيوية التي أبداها الرئيس الشاب وقتها، وازدادت جرعة التفاؤل بخطابه التاريخي في جامعة القاهرة، ذلك الخطاب الذي دغدغ المشاعر الإسلامية بما أظهره أوباما من احترام للدين الإسلامي وتبرئته من تهمة الإرهاب التي ألصقت به عشية أحداث الحادي عشر من سبتمبر قبل نحو 15 عامًا.


لكن ما حدث في ثماني سنوات هي عمر رئاسة أوباما كان صادمًا لكل من تفاءل أو أفرط في الأمل ظنًا منه أن شيئًا إيجابيًا قد يحدث لأمتنا بيد غيرها، أو أن السماء تمطر حلولًا عادلة لقضايا أمة غائبة عن وعيها، لاهية عن حقوقها، عاجزة عن إحداث تغيير جوهري في موازين القوى التي نجحت أمريكا وإسرائيل في حسمها لصالحهما بكل قوة.

ورغم حصول أوباما على جائزة نوبل للسلام بعد شهور قليلة من ولايته الأولى، وهي الجائزة التي شكك في استحقاقه لها كثير من منتقدي سياساته.. فإن أمل المتفائلين منا لم ينقطع في صاحب نوبل، وظنوا أنه سوف يحقق بعدها إنجازات ملموسة في ملفات النزاع العربي ـ الإسرائيلي، والنزاعات بين الدول أو محاربة الإرهاب أو الانتشار النووي أو حتى الاحتباس الحراري أو غيرها من المشكلات والأزمات الكبيرة.. لكنه للأسف لم يفعل شيئًا من هذا بل الأدهى والأمر أنه سعى لمخطط آخر تمامًا لم يكن واردًا في أذهان كثير من المتفائلين ولا المتشائمين حكامًا ومحكومين، مخطط صراع الحضارات والشرق الأوسط الجديد، والتوظيف السياسي لتيارات العنف المتأسلم، وتدمير الدول العربية وتفجيرها من الداخل بأيدي شرذمة من أبنائها، تارة باسم ثورات الربيع العربي، وتارة أخرى باسم الصراع المذهبي الطائفي الذي غير خريطة الأعداء، وجعل دول لم تكن في خندق الخصوم عدوًا لدودًا، ودولة صريحة العداوة في خندق الأصدقاء.. ومع هذا هناك بعض الدول العربية والإسلامية ما زالت تثق في أمريكا متصورة أنها المنقذ والحامية لها.

نجح أوباما في تخدير مشاعر بعض العرب والمسلمين بكلمات مخادعة في خطاب جامعة القاهرة رغم أنه قال صراحة: "إنني أدرك أن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها، ولا يمكن لخطاب واحد أن يمحو سنوات من فقدان الثقة، وأدرك أنني -والكلام لأوباما- لن أقدم حلولًا جذرية لمسائل معقدة أدت لمثل هذا الحال.. "فأي تغيير كان يقصده أوباما.. أهو تغيير خريطة الشرق الأوسط التي لم تكن سرًا خافيًا يتناقله مسئولون أمريكيون همسًا خلف الكواليس بل ناقشته لجان الكونجرس، وتداوله أعضاؤه صراحة دون مواربة.. أم أنه تغيير أجواء علاقة بدت متوترة بين أمريكا وبعض الدول العربية الإسلامية التي ظنت واشنطن أنها صانعة الإرهاب أو مصدر خطر على ربيبتها إسرائيل..؟!

لقد خدعنا أنفسنا بفهم خاطئ لخطاب أوباما، وعلقنا أماني كاذبة في رقبة رئيس أمريكي لمجرد أنه من أصل أفريقي مسلم، وهي الأماني التي حملت في طياتها مبررات التقاعس والنكوص عن الإصلاح الحقيقي لتغيير موازين القوى على الأرض لصالحنا حتى لا تُفرض علينا حلول وخرائط مثلما يحدث اليوم في سوريا والعراق وليبيا دون خيارات أو بدائل من عندنا.
الجريدة الرسمية