رئيس التحرير
عصام كامل

نجيب محفوظ يكتب: أنا بتاع الحاضر والمستقبل

الاديب نجيب محفوظ
الاديب نجيب محفوظ

في مجلة نصف الدنيا 2001 كتب الأديب نجيب محفوظ مقالًا كجزء من ذكرياته قال فيه:

حين كتبت عن الماضي البعيد جدًا ــ الذي هو الأدب الشعبي الفرعوني ــ كانت عيني على مصر الحديثة الذي هو المستقبل؛ ولذلك تجد رواية تصور الحاكم المثالي في "عبث الأقدار" وأخرى تمثل ثورة الشعب على فرعون وقتله في "رادوبيس"، وفي "كفاح طيبة" تحرير مصر من الهكسوس.


كل هذه المعاني كانت للحاضر والمستقبل.. ولو أنها في صيغة الماضي، بل أن خوفي من المستقبل وتشوقي له كان واضحًا كل الوضوح في "ثرثرة فوق النيل" و"ميرامار" وفى "رحلة ابن فطومة" البطل يحلم بالمستقبل البعيد جدا، فليس صحيحا أنني أنتمى إلى الماضي.. أنا بتاع الحاضر والمستقبل.

وهناك ظاهرة لا تغيب عنى أبدًا وهي أننى في حياتى العادية أحافظ على مشاعر الآخرين قدر طاقتي بمعنى أن معاملتي مع الناس تقوم على التماس الأعذار لهم بخلافي في الرواية، فأنا أبدو كناقد ينقب عن العيوب وينظر إليها وكأنه بذلك يعوض أسلوبه في الحياة العملية.

ففى الحياة العملية لا أنظر عادة إلا إلى الجانب الحسن من الشخص وأتسامح معه؛ لكن في الرواية يحدث العكس تقريبًا.

هناك نقطة أخرى كانت موضعًا لتأملي بالنسبة لكثير من الشخصيات التاريخية في تأثري وانطباعي، ثم في حديث المعاصرين لهذه الشخصيات، وقد فسرتها بأن الإنسان إنسان له غرائز تربطه بعالم الحيوان، وله عقل وضمير وهو الجانب المستخلص من الحضارة والمجتمع الذي يربطه بعالم الإنسانية.

إذن لكل إنسان جوانب إيجابية وجوانب سلبية، وحين تتعرف إلى شخص من خلال أعماله فأنت تتعرف إيجابياته.. فمثلا محمد علي عرفناه كمشيد للقناطر الخيرية وترعة المحمودية والجيش والمصانع والإمبراطورية.

والجانب الآخر له هو محمد علي المتعجرف الأناني الغادر الذي يستضيف الناس ثم يقتلهم، وينفي الذين انتخبوه ليصبح واليًا في اليوم التالي لاختيارهم له.. الإنسان هكذا دائمًا وليس بمقدوره أن يكون إيجابيات مجردة.
الجريدة الرسمية