ليس دفاعا عن عمرو الليثى
لم يكن بيني وبينه في يوم من الأيام مصلحة.. بدأت علاقتي به بمعركة خضتها ضده، ثم تعارفنا وتجاذبنا أطراف الحوار، اختلفنا أكثر مما التقينا، غير أننا أبقينا على مساحة من الحوار بيننا.. ربما استمرت علاقتنا بين شد وجذب غير أن ذلك كان عنوانا أعمق لصداقة من نوع خاص، اعتمدت على احترام كل منا للآخر، دون تجمل أو رياء، وزاد من عمق تلك العلاقة نشوء حوار أعمق مع والده عليه رحمة الله.
عن عمرو الليثى أتحدث بعد هدوء العاصفة.. عاصفة «التوك توك» التي كادت تعصف به وتصفيه معنويا.. وقصة التوك توك واحدة من فقرات فضائية وصحفية كثيرة جدا ومتكررة منذ قديم الزمان، غير أنها هذه المرة تلقفتها أيادٍ غير شريفة دست بها في عقول غاضبة، أدت إلى ما أدت إليه، ووصفت صاحب البرنامج بما ليس فيه.. صحيح اختلفت مع عمرو عندما اقترب من جماعة شريرة كانت تخطط لاختطاف وطن، إلا أن شعاري في هذه القضية هو "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمنى".
وعمرو الليثي إعلامي ناجح، قدم الكثير من إطلالات كانت مهمة في توقيتاتها، وهو صاحب طريقة قد تختلف معها أو تتفق، إلا أنها "تكوين" يحقق نجاحا جماهيريا واقتصاديا يعود على القنوات التي تتعاقد معه، وما حدث في قصة التوك توك يفرض علينا أن نتناول الموضوع بحياد لا يظلم صاحبه ولا يسعى لتجميل وجهه.. تناول لا يبدأ بحقد وغل وينتهى بتصفية.. تناول لا يبدأ برياء فينتهي بنرجسية وهمية.. حوار لا يحول دون وضع الأمر في نصابه الطبيعى.
ما قاله خريج التوك توك كما وصف نفسه، كلام ساذج وسطحي يتشابه مع تضخيم أزمة السكر.. كلام له شبيه متكرر يوميا، ومنذ أزمان.. كلام ينطلق من حسرة على ماض تليد، قد يمحوه إذا اجتررنا الماضي الذي يرسم ملامح إمبراطورية مصرية رفع علمها على قلب أفريقيا، ووصل إلى القرم التي يتنازع عليها الأوروبيون والروس، فإذا عدنا بعجلة الزمان إلى ما هو أبعد، قلنا إننا كنا أول حاضرة في التاريخ البشرى وأول إمبراطورية إنسانية طرحت ثمارها فجرا للبشرية.
"كلام ابن عم حديت"، كما يقولون تتناوله الصحف اليومية برؤى أعمق وبصورة يومية.. تتعاطاها الفضائيات وبشكل أكثر حدة بصورة دورية.. تتلقفه مواقع الإنترنت بصورة لحظية.. كاميرات وأقلام وميكروفونات الميديا تحفر في قاع المجتمع بشكل يومى ولحظي وتلقى على مسامع الناس ماهو أقسي وأعمق مما قاله خريج التوك توك.. الفارق الوحيد هو التوقيت والحظ والقوى الشريرة.
سائق التوك توك مثل أزمة السكر الوهمية.. يتصور البعض خارج الحدود وداخلها أن مصر هي أزمة سكر وكوب من الشاى، ولو أن الأمر على هذا النحو فقد نجونا والله.. إذا كانت أزمة مصر في كيلو سكر فإن الأمر هين.. "بلاها سكر"، كما يقولون، وبالتالي نكون قد وصلنا إلى حلول لمشاكلنا كلها وهي المتعلقة في فنجان قهوة أو كوب شاى أو قطعة من البسبوسة.. لا السكر أزمة ولا سائق التوك توك متآمر ولا عمرو الليثى عميل.
الذين يديرون شبكات التواصل الاجتماعي هم من يفرضون علينا وجبة الإفطار.. يفرضون علينا كيف نحزن وكيف نموت كمدا وكيف نسلم ونستسلم وكيف نصفى بعضنا بعضا.. والأكثر إثارة أننا بالفعل نحزن ونتعاطى ما تقدمه لنا خلاياهم دون تفكير ودون تدبير ودون رفض أو مقاومة.. السوشيال ميديا وإداراتها الغامضة هي التي تضع الجميع في مرمى نيران الخيانة والعمالة والمتاجرة.
وقبل أن نتهم عمرو أو غيره، فإن علينا أن ننظر بعمق إلى محتوى الرسائل الغامضة التي تنهكنا، فاليوم عمرو وغدا أنت وبعده، أنا وكل يوم نضيف إلى رصيد العملاء والخونة مواطنين مصريين.. تتسع الهوة بيننا.. نري أنفسنا وقد تحولنا إلى شياطين وأصبحنا لعبة في أيدي من يديرون كل شيء حتى عقولنا.