رئيس التحرير
عصام كامل

وزير من بنها


سياسيون ومحامون وكتاب وشخصيات عامة، تواصلوا معي على مدى الأسبوع الماضي، بعد تناولي لاستغاثة محمية نبق من تغول رجل الأعمال حسن الشربتلي عليها، وطلبه الحصول على كيلومترين من شاطئها ليصبح جزءا من استثماراته التي حصل بموجبها على سبعة ملايين ونصف المليون متر، قطعة واحدة، لم يستثمر فيها - حتى تاريخه- شيئا سوى إنشائه أكبر بحيرة صناعية رغم مضي سنوات تسع على استيلائه عليها بمخاطبات حكومية جعلته مالكا لها في غيبة من القانون والمنطق.


وحدود علمي أن محامين قرروا مقاضاة وزير البيئة الذي مارس الصمت على ما تناولناه، وكما يقول العامة "عمل نفسه من بنها"، ولا أعرف لماذا بنها؟ ولا أدرى ما الذي دفع الوزير إلى اللوذ بسكوت مريب.. سكوت يمس سمعته وقدرته كوزير، من المفترض أن أولى مهامه الذود عن البيئة والدفاع عن المحميات التي حباها الله لبلادنا، خاصة وأن المراقب للمحميات في عهده سيدرك حجم الكارثة التي تحيق بهذا التراث الإنسانى المهم.

وإذا كان وزير البيئة قد "عمل نفسه من بنها"، فإن المستثمر انتهج ذات الطريقة، "وعمل نفسه من السعودية"، وهناك دبلوماسيون في مصر ساعدوا الرجل في أن يكون على رأس سيادته ريشة، والريشة هنا ليست ريشة نعام، إذ أن المتعارف عليه أن الذين يضعون ريشة النعام على رءوسهم هم حراس القانون وأصحاب منصات القضاء، وريشة القضاة تدل على العدالة والإنصاف، أما ريشة الشربتلي فإنها نموذج للمرادف الشعبي لمن على رءوسهم ريش.

محمية وادى دجلة ترزح تحت نير الإهمال، ومحمية الغابة الحجرية تتحول إلى مقلب قمامة، وتشير المعلومات المتسربة من هنا وهناك إلى اتجاه لمنح وزارة الإسكان جزءا منها، ومن المثير أننا نزاحم بعضنا بعضا في ٤٪ فقط من أراضينا ونترك هذا الفراغ الموحش ونتلاعب بكنوز مصر والعالم، فنمنح الشربتلى فقط كيلومترين من أرض نبق، وقد نمنح وزارة الإسكان جزءا من الغابة الحجرية بالقاهرة الجديدة، كما منحنا الزبالين جزءا من وادي دجلة.

أعود إلى الشربتلي وحكاياته في مصر ونهمه بالتملك، حتى لو كان هذا النهم قد انحرف ليصل إلى محمية نبق، وتهديد تراثها النباتى وكنوزها من الزواحف والحيوانات البرية، في ظل وجود وزير "بنهاوى" يشهد العامة والخاصة أنه منذ حط بجسده على كرسى الوزارة، وهو المنضبط تحت شعار "لا حس ولا خبر" على اعتبار أن فترات الريبة السياسية يصبح الصمت فيها من محاسن الفطن.

والمثير أيضا أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس وزراء مصر، في زمن الغفلة لم يحرك ساكنا، ولم يُسكن متحركا، ولايزال هناك جالسا خلف نظارته، يحملق في أوراق أظن أنها بيضاء من غير سوء، وحدود علمى أن دائرة اهتمام الرجل قد لا تتجاوز حدود مكتبه وشارع مجلس الأمة، وبضعة أمتار قد تصل إلى ضريح سعد زغلول بحكم الجوار المكانى دون التاريخي، فالفارق شاسع بين الحقبتين.

إذن، المحميات ليست من اهتمامات دولة الرئيس، وأيضا ليست من المهام التي يجب على "وزير بيئة" أن يلتفت إليها، غير أنها وبالتحديد أمام التغول الشربتلى تصبح واحدة من اهتماماتي مع آخرين، نظن أن بلادنا يجب أن تنتفض ضد زيف الاستثمار الوهمى، الذي جاء ليجرف كل شيء ويطارد المصريين على أرضهم، ووصل به الأمر إلى مطاردة خلق الله من النباتات والزواحف والحيوانات البرية.
الجريدة الرسمية