ابدأ بنفسك.. ادعم منتج بلادك
لأننا نسبح في محيط من المشكلات التي تبدو مستعصية، فإننا بحاجة إلى قصص نجاح صغيرة.. نقاوم الفشل بنجاحات حتى لو كانت نادرة.. نقطة ضوء تبدو كبيرة وسط هذا المحيط الهادر من الظلام.. أمل بسيط قد يخلق آمالًا عريضة.. نبحث عن نقاط القوة بداخلك لنخفي الكثير من مساحات الضعف التي تشدنا إلى أعماق سحيقة.. مصر بحاجة إلى نجاحات صغيرة منها ننطلق إلى آفاق من صناعة الأمل للأجيال الجديدة.
كنا ثلاثة أو أربعة أو خمسة نحمل هموم هذا الوطن الممدد.. نبدأ ليلتنا بالحديث عن مشكلات تطاردنا يوميا، وننتهى، كل واحد في بيته يحمل على عاتقه جبلا من الإحباط واليأس والإحساس العميق بأنه لا مناص ولا مهرب ولا ملجأ من هذا الوحش الكاسر المسيطر علينا.. فكرنا أن نقوم بتنظيف شوارعنا، سبقنا غيرنا وبدءوا.. فكرنا في كشف زيف المحتكرين فقامت أجهزتنا بمداهمة أوكارهم ونجحت.. تدبرنا أمرنا ففكرنا مليا في كشف وهم الأسعار النارية فسبقنا مصريون مخلصون بإطلاق حملة «الشعب يأمر» ونجحوا إلى حد ما.
ومن على شاشة فضائية «تن»، وتحديدا من برنامج مساء القاهرة، الذي يترأس تحريره الكاتب الصحفي الكبير بشير حسن، انطلقت دعوة الدكتور سعد الجيوشي وزير النقل السابق، لترشيد الاستيراد، تحت شعار «ادعم المنتج المحلي».. تألقت زميلتنا إنجي أنور وتواصلت أطراف عديدة من المجتمع المدني، وانفعلت جهات حكومية، وبدا الأمل أقرب مما نتصور وكشف الجيوشي عن أرقام مفزعة لاستيراد طعام للقطط والكلاب، استيراد الأحشاء وأطراف الدجاج.. استيراد مكياج وأنواع من الجبن يصل سعر الكيلوجرام خمسمائة جنيه.
سلع استفزازية لا بد أن تجد من يواجهها بالمقاطعة، وسلع موازية مخيفة.. نستورد عسلا أسود، ونحن من أوائل صناعه.. نستورد مخللا وزيتونا، ومصر واحدة من أهم منتجيه.. نستورد أثاثا ولدينا قلعة صناعية في دمياط.. نستورد حلاوة طحينية ولدينا الرشيدي.. نستورد جبنا وحليبا من هولندا، ولدينا جهينة وبيتي والمراعي.. لدينا فيتا ودومتي.. نستورد بسكويتا والسياح يحملون «الحقائب الممتلئة» من بسكو مصر.
نطعن صناعتنا بخنجر الإهمال.. نغلق مصانعنا كما أغلقنا قها والنصر للسيارات وفوة للسجاد.. سلمنا أنفسنا لطبقة جديدة من المستوردين عكفوا على استيراد «زبالة» الصين، وقدموها للشعب المصري.. وعلى حد قول كاتبنا الكبير محمد أمين وصلنا إلى استيراد الكبريت، ووصل إلى أعماق دورنا الثوم الصيني بسعر ٦٠ جنيهًا للكيلو جرام، وفتحنا الباب لكل من هب ودب ليستورد لنا ما لا طاقة لنا به.
لازلتُ أتذكر إحدى زيارات الرئيس الأسبق مبارك إلى الصين، عندما قام بزيارة أجنحة التصدير الصيني في بكين.. مر على السلع التي تصدر إلى ألمانيا وإلى أمريكا وفرنسا وغيرها من الدول، وعندما طلب زيارة الجناح الذي يحمل نماذج لمصر فوجد ركاما وحطاما ولم يخفِ اندهاشه، عندما قال «دي زبالة».. رد عليه الصينيون «نحن نصنع لكل دولة ما تريد من مواصفات».. هذا يعنى أن مستوردينا فقدوا ضمائرهم وطلبوا منتجات بأقل سعر وبأقل جودة.. دخلت بلادنا منتجات لم تدخل إلى قرى أفريقيا.
«ادعم المنتج المحلي»... مبادرة تستطيع أن تشارك فيها باستخدام المنتج المصري، ودعمنا لذلك يعني جهادا مقدسا لمواجهة غول الندرة في العملات الأجنبية.. يعني أنك تواجه حربًا تريد لنا الإفلاس.. يعني أنك تحمل بندقية مثل جندي الجبهة.. تناضل من أجل مصر وحريتها واستقلالها وقدرتها على مواجهة الأزمة.
اصحب ابنك في زيارة إلى مصنع مصري.. علمه أن يفخر بما نصنع.. عمق إحساسه الوطني بمطالبة المدارس والجامعات بأن تقوم برحلات إلى مصانع الدولة، وإلى مصانع القطاع الخاص.. ادفع أبناءك لكي يتفاخروا بأنهم يرتدون ملابس مصرية.. يأكلون طعاما مصريا.. رشد الاستيراد وادعم منتج بلادك لكي تنهض صناعتها، وتستطيع مواجهة الكارثة التي تحيق بنا.