رئيس التحرير
عصام كامل

مرسى فى السودان.. الزيارة تستهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين.. وبحث سبل تفعيل التعاون الاقتصادى والثقافى.. وفتح آفاق جديدة لكل من الاستثمار المصرى فى الخرطوم

 الرئيس محمد مرسي
الرئيس محمد مرسي

يبدأ الرئيس محمد مرسى غداً الخميس، أول زيارة له لدولة السودان الشقيقة، وذلك فى أول محطة رسمية لدولة عربية وأفريقية مهمة استراتيجيًا وسياسيًا وثقافيًا بالنسبة لمصر شعبًا وحكومة، حيث يستهدف الرئيس تعزيز أطر العلاقات الثنائية بين الدولتين وبحث سبل تفعيل التعاون الاقتصادى والثقافى وفتح آفاق جديدة لكل من الاستثمار المصرى فى السودان، وتعزيز جهود التنمية الداخلية فى هذا البلد العربى الشقيق.


وتعد السودان أول محطة عربية- أفريقية رسمية يقوم الرئيس بزيارتها، وذلك لما تتسم به علاقات الدولتين من أبعاد تاريخية ودينية وحضارية واستراتيجية مشتركة، إذ سبق للرئيس أن زار دولتين أفريقيتين غير عربيتين قبل زيارته للسودان الشقيق، لكن زياراته السابقة كانت بهدف المشاركة فى قمم جماعية، فقد زار الرئيس كلاً من أثيوبيا للمشاركة فى أعمال قمة النيباد، وجنوب أفريقيا للمشاركة فى قمة بريكس.

ولهذا ليس غريبًا أن يرحب حزب المؤتمر الوطنى الحاكم بالسودان بزيارة الرئيس المصري، وأن تعرب اللجنة السياسية بالحزب عن أملها فى أن تمثل انطلاقة جديدة لدعم العلاقات المشتركة بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين وانتقالاً نحو تأسيس متين ينقلها من علاقات أخوية إلى واقع يمكن للأجهزة التنفيذية ولحكومتى الدولتين من تحقيق الأهداف المشتركة.

وسوف تتركز مباحثات الرئيس مع نظيره السودانى عمر البشير على العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، وستتناول أيضًا مشاركة الشركات المصرية فى عملية التنمية بالسودان ومتابعة تنفيذ برامج واتفاقيات التعاون المختلفة التى تم التوصل إليها من خلال اللجنة العليا المصرية السودانية المشتركة، وأطر توسيع نطاق التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثماري.

وفى هذا الإطار، فقد استبق زيارة الرئيس قيام وفد من رجال الأعمال المصريين بزيارة الخرطوم لبحث كيفية دفع العمل الاستثمارى مع نظرائهم السودانيين، وتم الاتفاق على تشكيل مجلس رجال الأعمال المصرى السودانى المشترك.

وسيلتقى الرئيس محمد مرسى قيادات حزب المؤتمر الوطنى والأحزاب السودانية الأخرى، وأعضاء الجالية المصرية بالسودان، وسوف يستقبل بمقر إقامته عددًا كبيرًا من المسئولين السودانيين على رأسهم على عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس السودانى ووزير المالية على محمود.

وشهدت العلاقات السودانية المصرية تقدمًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما بعد اندلاع ثورة 25 يناير، وظهر ذلك من خلال تبادل الزيارات المستمر بين مسئولى الدولتين؛ فمن جهة حرص عدد كبير من المسئولين السودانيين على زيارة مصر خلال العام الماضى كان من أبرزهم الرئيس عمر البشير الذى زار مصر فى سبتمبر الماضي.

ومن جهة أخرى قام رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بزيارة الخرطوم العام الماضي، افتتح خلالها أول بنك مصرى متكامل فى السودان أسسه البنك الأهلى المصرى برأسمال يقدر بنحو 50 مليون دولار ومقره الخرطوم، وتفقد قنديل أعمال الطريق البرى الدولى الذى يتم إنشاؤه بين البلدين والمقرر افتتاحه خلال الشهر الجاري، والذى سيربط بين مصر والسودان.

وتعد هذه الطريق أكبر معبر تجارى لتسهيل تدفق حركة البضائع والركاب وخفض تكلفة النقل بين البلدين واستصلاح الأراضى الواقعة على جانبى الطريق لزيادة رقعة الإنتاج الزراعي، وهو ما سوف يسهم بشكل مباشر فى إحداث نقلة نوعية مهمة فى حركة التبادل التجارى والاستثمارى بين الدولتين من خلال إضافة سوق حرة جديدة تعمل على تنمية حركة الصادرات والواردات للبضائع والثروة الحيوانية.

ومما لا شك فيه أن زيارة الرئيس مرسى واقتراب افتتاح الطريق الدولى سوف يقودان لانطلاق مرحلة جديدة من التعاون خلال الفترة القليلة المقبلة؛ إذ يأمل البلدان فى مضاعفة حجم التبادل التجارى خمسة أضعاف خلال الأعوام الخمس المقبلة، وذلك إثر اتفاقهما على وضع أسس جديدة لتسهيل وتيسير انتقال السلع والبضائع والأشخاص وإنهاء المعوقات التجارية ووضع تيسيرات جمركية فى الصادرات والواردات، علمًا بأن حجم التبادل التجارى الآن أكثر قليلاً من نصف مليار دولار سنويًا فقط، بما لا يتناسب بالطبع مع مستوى العلاقات السياسية والشعبية بينهما.

تجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجارى بين الدولتين قد ارتفع من 539 مليون دولار فى عام 2010 إلى 628 مليون دولار فى عام 2011، ثم بلغ 731 مليون فى العام الماضي، وهو مبلغ متواضع مقارنةً بالقرب الجغرافى بين البلدين وإمكانية التكامل السلعى بينهما.

وتحتل مصر المرتبة الثالثة فى قائمة الدول المصدرة إلى السودان بعد كل من الصين والإمارات، وتشكل الآلات والمعدات والمنتجات الكيماوية ووسائل النقل والمنسوجات أبرز واردات السودان من مصر، بينما تستورد مصر من السودان الحيوانات الحية واللحوم والفول السودانى والجلود.

وقد سجل حجم الاستثمارات المصرية فى السودان نموًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة بفضل الحضور القوى للقطاع الخاص المصرى فى السودان، حيث يبلغ حجم هذه الاستثمارات 7.7 مليار دولار تتوزع على 213 مشروعًا فى المجالات الصناعية والخدمية والزراعية.

بينما يبلغ حجم الاستثمارات السودانية فى مصر نحو 184 مليون دولار تتوزع على رؤوس أموال 257 شركة، منها أكثر من 140 شركة برؤوس أموال مصرية سودانية مشتركة. كما يجرى تأسيس منطقتين صناعيتين مصريتين بالسودان، الأولى فى أم درمان لصناعة الجلود على مساحة 2 مليون متر مربع والأخرى فى ولاية النيل الأبيض، إلى جانب إقامة مصنع سكر ضخم لتغطية الاستهلاك السوداني.

ولا شك فى أن السودان تحظى بأهمية استثنائية فى العقل المصري، وينطبق ذات القول على السودان، فكلا البلدين يمثل عمقًا استراتيجيًا للبلد الآخر منذ القدم، فالحدود المصرية السودانية المشتركة تمتد بطول 1273 كيلومترًا. ومن ثم تبرز أهمية وحقيقة أن أمن السودان واستقراره يمثلان جزءًا من الأمن القومى المصري.

وفى هذا الإطار يلاحظ حرص الدولتين على تقوية ودعم العلاقات بينهما فى شتى المجالات، فالسودان يعد الدولة الوحيدة التى لديها قنصلية فى محافظة أسوان، وهو ما يدل على التواصل الإنسانى المكثف بين السودان وأهالى مصر فى الجنوب على وجه خاص؛ كما يبرز فى المبادلات التجارية بين أسوان ووادى حلفا، إذ بلغت إجمالى الصادرات خلال الفترة من يناير 2013 وحتى الآن 12.7 ألف طن من المنتجات المختلفة، فى حين بلغت نسبة الواردات من حلفا إلى أسوان خلال نفس الفترة 23.4 طنًا، ولا يتوقف دور القنصلية عند تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية، لكنه يشمل العلاقات فى المجالات المختلفة الثقافية والسياسية.

وليس بعيدًا عن الأمن القومى يشكل السودان أهمية خاصة بالنسبة لمصر فيما يتعلق بموضوع المياه ونهر النيل، وخاصةً مع التزام الدولتين بكل بنود التعاون طبقًا لما أقرته اتفاقيات عامى 1929 و1959 الخاصتين بتنظيم استغلال مياه نهر النيل بما يحقق صالح كل من مصر والسودان فى حدود الحصص المقررة لكل دولة.

الجريدة الرسمية