رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة رحيل أحمد المديني


"أحمد المديني مات" ثلاث كلمات هي الأصعب في القراءة والفهم والاستيعاب.. وردت إليّ في رسالة خاصة على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.. كلمات ثلاث أعادت المديني إلى ذاكرتي بعد سنوات من الغيبة عن التواصل.. ثلاث كلمات وضعت الرجل في بؤرة الخلاص.. مساحة الشفافية الأبدية.. غيبة الجسد المتعب بعد عناء المرض.. رحيل يساوي حضورا في الذاكرة الإنسانية والوطنية لشخصية قدمت لبلادها الكثير.

والمديني مواطن تونسي قضى حياته بين دهاليز وكالة الاتصال الخارجي، وهى المؤسسة التي تقوم بدور هيئة الاستعلامات المصرية في تونس.. قضى الرجل حياته محبا لبلاده عاشقا لثراها.. من فرط نشاطه كنت تظنه لا يعرف النوم.. لا يعرف السكون.. دءوب الحركة.. تعلو ابتسامته وجهه النحيل فوق جسد لا تكاد تراه من فرط نحافته.. لا يكل ولا يمل.. كنا نتندر بحركته ونشاطه، فهو الشخص الذي تراه في أكثر من مكان في ذات الوقت!!

وأحمد كان واحدا ضمن فريق مدرب على "البشاشة" وعلى العمل وعلى كل ما هو وطني خالص.. يمد الصحفيين بالمعلومات والصور.. يشرح لهم أبعاد الصورة بعمق متفرد.. يقدم بلاده وكأنه يقدم أسرته.. يسعى لأن تكون صورة تونس مضيئة دوما.. تضحك الدنيا عندما يضحك فإذا ما سكنت وجهه ملامح العبوس أظلمت الدنيا في وجه من يلقاه.. كان نادرا في إخلاصه.. نادرا في تجربته فلم يكن موظفا يبحث عن رغد العيش.. كان مؤمنا بما يفعل ويفعل ما يؤمن به ولم يكن واحدا من هؤلاء الذين يؤدون بملل.

أيامنا مع المديني في شوارع الخضراء كانت خضراء.. مورقة.. نضرة.. وارفة الظلال.. وكان هو دفتر حكايات.. موسوعة نوادر.. قاموسا من الذكريات النبيلة.. غادرنا الرجل الطيب بعد رحلة عناء مع المرض والسكوت..غادرنا وهو الحي بدفء مشاعره ونبل أخلاقه وإخلاصه الوطني.. رحل أحمد المديني وقلوبنا تدعو له بالمغفرة والرحمة وتدعو لأسرته بالصبر والسلوان.
الجريدة الرسمية