رئيس التحرير
عصام كامل

مصر أولى بسورية من الجميع


العلاقات المصرية السورية علاقات بعيدة تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ، فسورية كانت ومازالت وستظل هي العمق الإستراتيجي للأمن القومى المصري، فمن هناك دائما ما يأتى الأمن والاستقرار أو التهديد والأخطار، وما من حاكم مصرى واعٍ إلا وأدرك هذه الأهمية القصوى لسورية، فكل الغزوات التي جاءت على مصر بدأت من هناك، وكل هزيمة نالتها مصر في تاريخها أو احتلال لمعتدٍ كان يبدأ بسورية ويثني بمصر، وما من نصر تحقق في معركة إلا وكانت سورية شريكة في الحرب والنصر.


لذلك حين جاء الزعيم جمال عبد الناصر كان قارئا جيدا للتاريخ وأستاذا في الإستراتيجية، فأدرك بوعٍ كبير أن الأمن القومى المصري لا يبدأ من الحدود المصطنعة التي وضعها المحتل، لذلك حين كان يتحدث عن الأمن القومى المصري ينظر بعيدا، حيث حدده في ثلاث دوائر رئيسية الأولى هي الدائرة العربية والثانية هي الدائرة الإسلامية والثالثة هي الدائرة الأفريقية، وبالطبع تأتى سورية في نطاق الدائرة الأولى التي لها أولوية قصوى لتأمين حدودك، لذلك كان السعي لعقد وحدة عربية تكون نواتها الرئيسية هي مصر وسورية، وكان إنجاز الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالى والجنوبي وجيشها الموحد الأول في الإقليم الشمالى والثانى والثالث في الإقليم الجنوبي هو نتاج طبيعي لوحدة المصير.

وبالطبع كانت الوحدة مشروعا ضد مشروع التجزئة والتفتيت الذي قامت به قوى الاحتلال، لذلك سعى المحتل إلى إفشال المشروع الوحدوى العربي بكل الطرق والسبل المتاحة سواء بالتدخل المباشر أو عبر الوكلاء الإقليميين والمحليين، وقد نجحت مساعى المحتل مؤقتا في تحقيق الانفصال بين مصر وسورية، لكن رغم ذلك ظل جمال عبد الناصر متمسكا بحلمه فظل مسمى الجمهورية العربية المتحدة وعلمها ذو النجمتين قائما حتى وفاته، وظل مسمى جيشها الأول والثانى والثالث باقٍ حتى اللحظة الراهنة وهو دليل آخر على وحدة المصير.

وبوفاة جمال عبد الناصر بدأت القوى التفتيتية والتجزيئية تفعل فعلها، فعلى الرغم من خوضنا آخر الحروب سويا وهى حرب أكتوبر 1973 ( تشرين التحريرية ) إلا أن المسار السياسي لمصر اختلف عن المسار السياسي لسورية، فقد سارت مصر في طريق التفتيت والتجزئة، واعتبار أن الأمن القومي المصري يبدأ من الحدود القطرية التي رسمها المحتل، في حين ظلت سورية وكما أطلق عليها الزعيم جمال عبد الناصر هي قلب العروبة النابض، وهى الحجرة العثرة في تحقيق أحلام المحتل في المزيد من التفتيت والتقسيم والتجزئة، وظل المشروع الوحدوى العربي هو مشروعها الذي تحافظ عليه وتسعى لتحقيقه.

وفى ظل صمود سورية جاءت رياح الربيع العربي المزعوم، والذي تأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه مؤامرة كبرى على أمتنا العربية وأنه ربيع عبرى بامتياز، ونجحت مصر بفضل شعبها وجيشها من الإفلات من المؤامرة بسرعة. وإن كانت المعركة مستمرة حتى اللحظة ولم ولن تتوقف، وبما أن المسار والمصير المصري والسورى واحد فقد اتجهت كل سهام الغدر إلى سورية، حيث شهدت عبر الخمس سنوات ونيف الماضية حربًا كونية غير مسبوقة في التاريخ شاركت فيها حتى الآن 93 دولة، وكالعادة صمدت سورية صمودا أسطوريا وتمكنت بفضل شعبها وجيشها من إجهاض المؤامرة، وحاولت القوى المعتدية على سورية والأمة العربية سواء كانت القوى الأصيلة ممثلة في الأمريكان والصهاينة وحلفائهم الغربيين، أو القوى التي تعمل بالوكالة ممثلة في قطر وتركيا، أو الأدوات التنفيذية ممثلة في الجماعات التكفيرية الإرهابية، في عزل مصر بعيدا عن سورية حتى تتمكن من أكلها وهضمها.

لكن هيهات أن تتحقق أمانيهم، فعلى الرغم مما بدى ظاهريا من تراجع دعم مصر لسورية في مواجهة المؤامرة الكونية عليها، إلا أن ذلك كان من باب المناورة السياسية، وكانت العلاقات والتنسيق مستمر طوال الوقت وعلى أعلى المستويات، وقد سألت الرئيس الأسد شخصيا في ذلك في نهاية العام 2013، وأكد أن قنوات الاتصال موجودة ولم ولن تنقطع يوما، وتركت مصر الرسمية العلاقة المعلنة المدافعة عن سورية للمجموعة الناصرية والقومية التي تصدرت المشهد الإعلامي منذ بداية الأزمة وحتى اللحظة لتشارك في الحرب بجوار سورية تأكيدا على المصير المشترك، وفى الوقت المناسب ظهر الموقف المصري الرسمي الذي يؤكد على وعي كبير بأهمية سورية بالنسبة لمصر، وبأنها العمق الإستراتيجي للأمن القومى المصري، وأن أي خطر على سورية هو خطر داهم على مصر، فالعدو واحد والمصير مشترك، لذلك لابد أن يدرك كل من في رأسه عقل أن مصر أولى بسورية من الجميع، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية