رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء أحمد رجائي عطية مؤسس الفرقة 777: أمي غيرت مسار حياتي من دراسة الهندسة لدخول الحربية.. ساعدتني على الانضام للفدائيين.. وقالت لي: «لما أنت تدخل هندسة مين هيحرر فلسطين"

فيتو

رغم المعارك والبطولات التي حققها اللواء أحمد رجائي عطية مؤسس الفرقة 777 وأحد أبطال المجموعة 39 قتال مجموعة الشهيد إبراهيم الرفاعي في حرب تحرير الأرض في السادس من أكتوبر، إلا أنه يدين بالفضل في كل ما حققه إلى سيدتين تحملتا أعباء غيابه عن البيت ومشاركته في أعنف المعارك مع العدو الصهيوني، الأولى والدته المرحومة السيدة إصلاح هانم شاهين ابنة الأميرلاي محمد شاهين أحد قادة الجيش المصري، والثانية زوجته السيدة نشراوان عباس إبراهيم.


يروي رجائي عن والدته قائلا: "عندما كان عمري 14 عاما شجعتني للانضمام إلى الفدائيين وقمت بالتدريب معهم ومرافتهم في عمليات ضد الإنجليز وعندما حصلت على الثانوية العامة جئت إليها فرحا لأزف لها خبر نجاحي وقراري بدخول كلية الهندسة وفوجئت بها تقول "لما تدخل أنت الهندسة أومال مين هيطلع اليهود من فلسطين ويحمينا منهم في مصر"، فاخترقت كلماتها قلبي وشعرت بالخزي في تفكيري وأن نازع الوطنية الذي آمنت به في تحرير فلسطين والحفاظ على وطني مكانه الوحيد الكلية الحربية فتقدمت بأوراقي وفعلا قبلت وتخرجت في مدرسة الصاعقة".

وأضاف:"كان من عادتي دائما ألا أفصح عن أي عمل أقوم به وتم تعييني مدرسا في مدرسة الصاعقة وكل شغلي التدريبات لكن سبحان الله عندما يكون هناك عملية خطيرة كانت تبقي حاسة وتدعيلي بجملة "ربنا يعمي عنك عين العدو"، رغم أنها من داخلها تشعر بأنني طالع مش راجع ولكن عقب هذه الدعوة كنت أذهب في العمليات وأنا مطمئن بأن الله يسمع دعاء الأم وحتى لو مت شهيدا ستكون راضية عني".

وأضاف:"أمي سيدة عظيمة بمعني الكلمة كانت تتحمل بعدي عنها وربما تفقدني ولكن عمرها ما سألتني أنت رايح فين ولا هتعمل إيه..

ولكن أثناء حرب أكتوبر كنت أنا وأخي الأصغر هشام في الحرب وفي نفس سلاح الصاعقة ويوم 18 أكتوبر كلفت بالعودة للقاهرة لإحضار بعض الأجهزة والمعدات والعودة بها للجبهة وحملت السيارات بالمعدات وكنت قريبا من المنزل فاستأذنت لكي أطمئن على أمي وزوجتي وأغير ملابسي وأكل لقمة وبالفعل قابلوني بالأحضان وطلبت الأكل ثم طلبت كوب شاي وخلصته وطلبت كوبا آخر فوجئت بها تقول لي أنت هتشرب شاي تاني وسايب أخوك في الحرب وحده يلا توكل على الله واستغربت لهذا الموقف، ولكني قمت مسرعا وعدت مرة أخرى لأرض المعركة حتى بعد وقف إطلاق النار، وكانت دعوتها الشهيرة "ربنا يعمي عنك عين العدو تلازمني طوال فترة خدمتي في القوات المسلحة حتى وفاتها عام 1987".

وعن الجندي المجهول الثاني في حياة مؤسس المجموعة 777 فيقول:"زوجتي نشراوان عباس إبراهيم هي التي كانت تساندني وتدعمني بقوة بعد أمي تزوجتها عام 1966 وبعدها بشهرين تركتها وهي حامل ولم تكن تعلم مكاني وسمعت خبر وفاتي في الراديو.
وتتحدث السيدة نشراوان عن تلك الفترة قائلة:"في الحقيقة تعرفت على أحمد عن طريق الأسرة واتخطبنا لمدة شهرين وجعلني أترك المدرسة وتزوجنا فتاريخ الخطوبة كان عيد الجلاء وتزوجنا في عيد الفلاح وكان وقتها قادما من حرب اليمن، وبعدها بشهور تحديدا في أول مايو ذهب أحمد في مأمورية وتركني حاملا ولم أكن أعلم أين هو وعندما حدث العدوان الإسرائيلي على مصر يوم 5 يونيو سألنا عليه ولم نعرف مكانه ثم سمعنا في الراديو أسماء الشهداء وكان بينهم أحمد وقائده جلال هريدي وكانت حالتي صعبة جدا وشعور غريب أن يأتي ابني الأول إلى الدنيا وأبوه شهيد".

وتضيف:"بعد أيام وجدناه يتصل علينا ويقول إنه وصل الإسكندرية فلم أصدق وجاءني ألم الولادة في الحال وأنجبت ابني الأول أحمد وعندما سألناه قال إنهم ذهبوا إلى تل أبيب ثم إلى الأردن واللاذقية ثم عادوا إلى القاهرة، وبعد نكسة 67 أسس مع الشهيد إبراهيم الرفاعي المجموعة 39 قتال أخطر مجموعة صاعقة في الجيش وكان يذهب في مأموريات طويلة بالشهور لا نعرف عنها شيئا ثم نسمع عن هذه البطولات من الراديو".

وعن ذكرياتها معه أثناء الحرب قالت:"بعد زواجي منه سلمت أمري لله وكنت أشعر أن كل مرة يخرج فيها من الباب أنها ستكون آخر مرة أراه فيها فتركت منزلي أنا وزوجة أخيه البطل الثاني في الصاعقة هشام وقررنا الإقامة عند حماتي التي كانت أحن علينا من أمهاتنا ووجدنا في حضنها الأمن والأمان وكانت دائما تطمئننا بكلامها وفي أحد الأيام جاء أحمد من إحدى العمليات التي لم نعرفها وفجأة وهو نائم أخذ يصرخ ويقول اطفئوا النار ويدعك جسمه في السرير وعندما أيقظته من النوم حكي لي أنه كان في عملية خلف خطوط العدو موقعة لسان التمساح والعدو أطلق عليهم النابالم، وكاد ظهره يحترق فطفاه زملاؤه بالرمال وهو ما كان يحاول عمله وهو نائم".

وتابعت:"بعدها تم تعيينه في مكتب مخابرات الغردقة وكان يذهب إلى داخل إسرائيل ويتخفي مرة في ملابس البدو ومرة أخرى في ملابس إنجليزي ومرة صعيدي يقوم بعمليات خلف خطوط العدو بالإضافة إلى جمع المعلومات عن تحرك القوات الإسرائيلية في سيناء والاحتياطي الإستراتيجي من الذخيرة والوقود وتمركزات الدبابات وأجهزة الرادار والدفاع الجوي، وهناك

42 عملية من أكبر عمليات الصاعقة قام بها زوجي وأنا كل ما أستطيع عمله هو أن أرفع يدي للسماء بأن يعود إلى سليما، أعكف على تربية أولادي بعدما رزقني الله بولدين، أما أحمد فكان يعشق عمله جدا ولا يعطي بالا لحجم الخوف الذي أكون فيه أنا ووالدته فمصر كانت بالنسبة له أهم من حياته وكان يقول إما النصر واسترداد الأرض كاملة أو الشهادة، والحمد لله انتهت الحرب وحمدت ربنا على سلامته وعودته لنا، وفعلا الزوجة والأم هما أكثر من البطل تحملا للألم والخوف والرعب، ولكننا كنا صامدين حتى يقوموا بعملهم.. لم أحك له مشكلة واجهتنا أو مشكلات الأولاد فكنت الأب والأم في وقت واحد إلى أن عاد إلينا، وفعلا شعرت أن ربنا كرمني بأحسن إنسان في الدنيا عوضني عن السنين التي عشتها في الخوف عليه، ونحن زوجات الضباط نعلم منذ اليوم الأول لزواجنا أن أهم شيء للضابط أن يشعر أن بيته آمن ولا يوجد به مشكلات حتى يتفرغ لعمله ولا يفكر فينا".
الجريدة الرسمية