وزير الثقافة الفلسطيني: نقدر رفض المثقفين زيارة فلسطين خوفًا من تهمة «التطبيع»
- نقدم ما نستطيع لدعم القدس ولكن "إمكانياتنا محدودة"
- الأدب الفلسطيني محكوم بالأمل
- أوافق على ترجمة الكتب الإسرائيلية بسياسات محكمة
- الانقسام الفلسطيني لن يقف أمام وصول الإبداع والثقافة
- فلسطين تريد مقاسمة زعترها وهمها اليومي مع المثقف العربي
- زيارة الفلسطينيين على أرضهم ليس تطبيعًا
- إسرائيل تعرقل وتصادر حق وصول الكتب لـ"فلسطين"
- لا يمكن اعتبار الاحتلال ذريعة لـ "اللاعمل الثقافي"
وخلال أولى زيارات بسيسو إلى القاهرة، وعلى مدى ساعة من الزمن التقت به "فيتو" في مقر السفارة الفلسطينية بالقاهرة لتناقشه حول سياسات الاحتلال الإسرائيلي لعزل فلسطين ثقافيًا، وما تخطط له الوزارة لمواجهة تلك التحديات التي تحيط بها، فكان رد بسيسو الأول أن الإبداع والثقافة الفلسطينية محكومان بالأمل، تلك المفردة التي يحملها كل مثقف على كاهله فتصبح دانته للمواجهة، وبندقية الأدب التي ستعيد البلاد إلى أهلها وذويها.
ودار الحوار على النحو التالي:
*هل يفرض مصطلح التطبيع حصارا ثقافيا على فلسطين ؟
بالتأكيد، ولكن المسألة بحاجة إلى الكثير من العمل لحلها، وأنا دائمًا ما أقول إن وجود المثقف العربي في فلسطين هي ضرورة وطنية لدعم صمود شعبنا على أرضه، فعندما ندعو المثقف العربي لزيارة فلسطين فهذا يعني أننا نريد أن يتقاسم معنا الهواء والزيت والزيتون والزعتر ولو لبضعة أيام ليرى طبيعة التحديات والجرائم الإسرائيلية على الأرض، ونحن لا ندعو إلى إلحاق تهمة التطبيع بأي مثقف يزور فلسطين، ولا ندعو للتطبيع بأي شكل من الإشكال، وإنما نقدر دوافع المثقفين ورفض بعضهم للزيارة، ولكن نقول إن على المثقفين خوض تجربة الزيارة لدعم صمود الفلسطينين، لأن المثقف العربي بمثابة محور إستراتيجي لنقل التجربة والرواية الفلسطينية ونشرها، من خلال معايشته للفلسطينيين على أرضهم وزيارة المخيمات.
*ولكن بعض الأدباء يخافون خوض التجربة بسبب الاحتلال من جهة والتطبيع من جهة أخرى، فما الضمان أمامهم؟
وزارة الثقافة الفلسطينية هي الضامن أمام المثقف العربي، وتأمين تواجده، أما زيارة الفلسطينين على أرضهم لا يعتبر تطبيعًا، ونهدف من خلال ذلك دعم وجود الرواية الفلسطينية من خلال المثقفين العرب، حيث تعتبر الزيارة للمثقف بمثابة مصدر من مصادر الإلهام التي يستطيع من خلالها الكتابة، لأنه سيشاهد على أرض فلسطين الآلاف من القصص الإنسانية التي ستضمن له الإلهام.
*ما السبيل والحل الذي تطرحه الوزارة لكسر عزلة فلسطين الثقافية؟
مد جسور التواصل الثقافي بين فلسطين والوطن العربي يكون في اتجاهين، أولا من خلال تعزيز مشاركة فلسطين دوليًا في المهرجانات والمبادرات العربية التي تشمل كافة أنواع الفنون، وزيارة المثقفين والأدباء الفلسطينين للدول لنقل ونشر رواياتهم وأدبهم، والجهة الثانية من خلال دعم وجود المثقف العربي على أرض فلسطين، ولكسر العزلة الثقافية يجب العمل في الإتجاهين بالتزامن مع بعضهما، والوزارة بدأت بالفعل في المضى نحو تعزيز الاتجاهين، وما نريد أن نقوله من خلال ذلك هو أن فلسطين قادرة بالفعل على المشاركة ثقافيًا وتنظيم المهرجانات والأمسيات والندوات.
*لماذا لا يتهم المثقف الأجنبي عند زيارة فلسطين بالتطبيع على عكس العربي ؟
بالفعل يحدث هذا، وهنا تقع المفارقة حيث نعتبر زيارة المثقف الأجنبي بمثابة نوع من أنواع التضامن مع الشعب، فيما ننظر للعربي على أنه ارتضى بالتطبيع مع الكيان، الأمر غير الصحيح بالمرة، وهو ما تسعى إلى تغييره الوزارة من خلال زيادة أعداد الزيارات الثقافية العربية إلى فلسطين، لكي يتغير المفهوم وننظر إلى المثقف العربي على أنه متضامن، مثله مثل الأجنبي.
*تفرض إسرائيل ضرائب باهظة لإغلاق المؤسسات الفلسطينية بالقدس، وتتهم هذه المؤسسات السلطة بعدم التدخل لإنقاذها. فهل هذا صحيح ؟
بالطبع غير صحيح، فهناك الكثير من المؤسسات المقدسية التي تقوم وزارة الثقافة الفلسطينية بدعمها ومنها المسرح الوطني، فنحن نقدم ما نستطيع من دعم رغم إمكانياتنا المحدودة، ولكن المشهد الأبرز هو ماتبذله إسرائيل من ضغوط على القدس لعزلها ثقافيا وسياسيًا وجغرافيا، حيث تحاصر الجهود الفلسطينية وتطبق الخناق عليها.
*كيف عاندت إسرائيل سياستك نحو فك عزلة القدس الثقافية ؟
على سبيل المثال عندما توليت الحقيبة الثقافية، دعيت للقدس لعقد اجتماع بالمسرح الوطني الفلسطيني لبحث أزمة الضرائب والديون المكدسة، فقامت إسرائيل على الفور بإغلاق المسرح وأمرت بالتحقيق مع مديره كونه سيعقد اجتماعا مع وزير الثقافة الفلسطيني، وهذا مثال بسيط من حجم التحديات التي تواجه الوزارة والمثقف المقدسي بشكل عام.
*لننتقل إلى نقطة ثانية.. فلسطين لا تمتلك دور نشر حقيقية إلا المحلية منها، فما خطة الوزارة لزيادتها ؟
بالفعل يوجد مساحة كبيرة خالية في مجال النشر الفلسطينية، وعقدت عدة مباحثات في الفترة الأخيرة لحل هذا الفضاء، وخلال زيارتي الأخيرة للقاهرة عقدت لقاء مع محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، وعادل المصري رئيس اتحاد الناشرين المصريين، وبحثنا إمكانية زيادة عدد دور النشر المصرية في مهرجان فلسطين الدولي للكتاب، واقترحت تنظيم معرض دائم للكتاب المصرى في فلسطين، وترشيح عدد من الكتاب المصريين لعمل حفلات توقيع لهم بالمعرض، وتضمن اللقاء آلية التعاون في نشر أعمال الكتاب والأدباء الفلسطينيين وتعزيز نشرها في مصر.
ما أقصده هو أنني أسعى للعمل في اتجاهين، أولا زيادة عدد دور النشر داخل فلسطين، وثانيا تعزيز النشر الفلسطيني خارجها في الدول العربية.
*ولكن.. إسرائيل تمارس ضغوط على الكتب ودور النشر المشاركة بمعرض فلسطين، فكيف ستعمل الوزارة على التعزيز في ظل تلك الضغوط ؟
نعم.. سياسات الاحتلال تكون قمعية تجاه الكتب ودور النشر، وعلى سبيل المثال في معرض فلسطين الدولي بشهر مايو الماضي، كان هناك دور نشر عرقل الاحتلال وصول إصداراتها وطرودها من دولها، وهناك دار نشر معينة وصلت إصداراتها إلى أرض المعرض قبل إغلاقه وانتهائه بساعتين فقط، فما كان من الوزارة إلا أنها عرضت كتب الدار نكاية في سياسة الاحتلال، ما أريد أن أقوله هو أن الوزارة لا يمكن أن تتخذ سياسات الاحتلال وضغوطها ذريعة لـ "اللا عمل"، وإنما نحن محكومون بالأمل وسياستهم هي مبرر أكبر لبذل جهد أكبر.
*من أخطر على أدباء غزة.. حماس أم إسرائيل ؟
لا يمكن المقارنة بين الخطرين، ولسنا بصدد النقاش حول ماهية الخطر الأكبر، فنحن كوزارة ثقافة لابد أن نواجه أي خطر يواجه الثقافة بشكل عام، ويهدد وصول الإبداع الفلسطيني وسريانه الطبيعي.
*ولكن على صعيد آخر.. الانقسام خلف معاناة حقيقية على المثقفين في غزة ؟
نعم هناك تحديات كثيرة على أرض الواقع أفرزتها حالة الانقسام بين فتح وحماس، ولكن لا يمكن للانقسام أن يشكل معيقًا أمام وصول الإبداع الفلسطيني في غزة أو الضفة أو حتى الشتات إلى الفضاء الإبداعي بشكل عام، ووزارة الثقافة تدعم العمل الثقافي خاصة في مدينة غزة على صعيد المسرح والسينما من خلال المهرجانات مثل مهرجان السجادة الحمراء بغزة، والمراكز الفنية والتشكيلية، وكان هناك 20 مشاركا من المدينة في معرض فلسطين الدولي للكتاب الذي أقيم في رام الله.
إذن التحدي الأبرز ليس الانقسام وحسب وإنما تذليل العقبات التي يفرضها الاحتلال على المبدعين في غزة، حيث يمنع في كثير من الأوقات وصول أو خروج اللوحات التشكيلية والكتب من وإلي المدينة، ولكننا ماضون في مخطط كسر العزلة الثقافية لأن ثقافتنا هي ثقافة تحرر.
*هل توافق على ترجمة الكتب العبرية والإسرائيلية إلى العربية ؟
هناك مراكز فلسطينية بالفعل تقوم بترجمة عدد من الكتب الإسرائيلية إلى العربية، التي تتعلق بجدار الفصل العنصري وسياسات الاحتلال سواء السياسية والثقافية والتعليمية تجاه فلسطين، ولكن إذا ماتوجه العالم العربي نحو ترجمة الكتب العبرية فيجب أن تكون حركة الترجمة مدروسة بعناية فائقة، ومحكومة بسياسات محددة حتى نحصد أفضل النتائج المطلوبة.
وإذا توجهت مصر في الفترة المقبلة إلى ترجمة الكتب العربية، فأظن أن السياسات الثقافية قادرة على تطبيق الأمر بما يحقق أهدافها.
*بم تفسر فترة الثبات الإبداعي الفلسطيني التي انقشعت في الآونة الأخيرة ؟
لم يكن هناك فترة ثبات وركود من الأساس، فالإبداع الفلسطيني مستمر، ولا يمر شهر إلا وتكون هناك إصدارات في جميع المجالات الأدبية سواء الرواية، الشعر، القصة القصيرة، ولكن الأزمة هي أن الإصدارات لا تصل دول الوطن العربي وتبقى في الإطار المحل لما تعانيه فلسطين من عزلة ثقافية، لذا يظن الجميع أن فلسطين تعاني من حالة ركود إبداعي، وما وصل في الفترة الأخيرة من روايات لم تكن إلى الإبداعات الفلسطينية التي وصلت إلى مناص الجوائز العربية والعالمية، وخلافها يوجد الكثير من الإصدارات التي ما زالت تعاني من المحلية.
*إذن الأزمة تتعلق بالتوزيع والتسويق للمنتج الأدبي الفلسطيني ؟
نعم بالفعل.. جزء أساسي من الأزمة يتعلق بكيفية خروج المنتج الأدبي من المحلية ووضعه على خارطة الإبداع الثقافي العربي.
*هل تستطيع معارض الكتب إصلاح ما تفسده السياسة ؟
(يبتسم) ويقول: ياريت !.
*حدد لنا خريطة العواصم الفلسطينية ثقافيًا خلال السنوات المقبلة ؟
خلال زيارتي إلى مصر تم الإعلان عن تدشين 2017 كعام للقدس في السينما العربية، أما عام 2019 ستكون القدس عاصمة للثقافة الإسلامية، وفي عام 2020 ستكون مدينة بيت لحم عاصمة الثقافة العربية.. ويتم تنسيق الأعوام والاتفاقيات الثقافية استنادًا إلى إقرار القدس كعاصمة دائمة للثقافة في اجتماع وزراء الثقافة العرب الذي أقيم عام 2010.
*هل ثمة مشاريع أو مبادرات جديدة في أفق الوزارة ؟
هناك مشروع بصدد العمل على إطلاقه، وهو مشروع "المئويات" فعلى سبيل المثال عام 2017 يحمل الكثير من الذكريات مرور مثل مرور 100 عام على وعد بلفور، و50 عام على ذكرى احتلال القدس، وهو العام الذي شهد ميلاد الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان، حيث سيتم إهداء العام لذكرى ميلادها، فيما سيشهد عام 2019 مئوية الكاتب حيدر عبد الشافي، وسيكون 2020 عام للاحتفال بمئوية الكاتب جبرا إبراهيم جبرا، وسيتم إطلاق المشروع بالتعاون مع وزارة الاتصالات الفلسطينية، التي ستطلق طابع بريد في ذكرى كل مئوية.