رئيس التحرير
عصام كامل

«حكماء الشرق والغرب» الأديان تصلح ما أفسدته السياسة.. شيخ الأزهر: «أدعو إلى مشروع إنساني من أجل نشر السلام في كل ربوع العالم».. البيان الختامي: « يلزم وقف سباق التسلح ومحاربة

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

على الرغم من خلافات السياسة التي لا نهاية لها، تبقى قيمة الإنسان هي المحرك الأقوى لكل فكر ديني مستنير، ليظل رجال الدين المعتدلون والمفكرون نبراسًا، ضد أفكار الضلال التي تروج لخلافات تنتهي بسفك دماء أبرياء لا ذنب لهم سوى اختلاف عقائدهم، ذلك الاختلاف الذي ظل سنة كونية من سنن الخالق، لكنه لم يصل بعد إلى مروجي الإرهاب والتكفير والقتل باسم الأديان التي تبقى بريئة ممن انتسبوا ظلمًا إليها لتشويهها.


دور الأزهر
وفي مصر تواصل المؤسسة الدينية، دورها لدعم الحوار بين الأديان، ويقود الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، دعاوى الاعتدال التي كانت إحدى أطروحاتها، ما أطلقه الطيب في بداية العام الماضى، على مجموعة من مفكري الغرب توسم فيهم "الرغبة الصادقة في الانفتاح على الشرق ومد جسور التعاون من أجل التعايش السلمى بين البشر على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم"، عبر فكرة ملتقى الحوار بين الشرق والغرب، على أن يكون انعقاده متواصلا بمدن القاهرة وأبوظبى وأخرى أوروبية.

جمع الحكماء
ويهدف الملتقى الذي يجمع حكماء الشرق والغرب من مختلف الأديان، في الأساس إلى كسر الحواجز المصطنعة التي أقيمت عبر عقود طويلة، وإقرار التعايش السلمى بين الأشخاص المختلفين فكريًا ودينيًا، وإيجاد وسائل علمية لتعميم ثقافة السلم والتعايش، إضافة إلى دعم الحوار مع الأديان حول مختلف القضايا ذات الإشكالية أو تلك المختلف عليها.

وفى منتصف شهر يونيو من عام 2015، رأس الإمام الأكبر، أول جلسة للحوار بين حكماء الشرق والغرب الذي عقد بمدينة "فلورنسا" بإيطاليا، وتضمنت الجلسة محاور «الشرق والغرب» و«السبيل إلى التفاهم»، و«العيش المشترك في ظل العولمة»، و«رسالة الشرق والغرب إلى العالم المعاصر».

المواطنة الكاملة
وفى الــ14 من مايو الماضى، رأس الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الجلسة الثانية من الحوار بين حكماء الشرق والغرب بالعاصمة الفرنسية باريس، داعيًا خلال كلمته المسلمين في أوروبا إلى أن يعوا جيدًا أنهم مواطنون أصلاء في مجتمعاتهم وأن المواطنة الكاملة لا تتناقض أبدا مع الاندماج الذي يحافظ على الهوية الدينية، مشددًا على أنه لا ينبغي أن تكون بعض القوانين الأوروبية التي تتعارض مع شريعة الإسلام حاجزا يؤدي إلى الانعزال السلبي والانسحاب من المجتمع، موضحًا أن العالمية عبر عنها شيوخ الأزهر في القرن الماضي بأنها الزمالة العالمية أو التعارف كحل لانقسام العالم وتكريس الثنائيات الحادة التي تنتهج الصراع وتشعل الحروب.

عالمية الإسلام
وأضاف شيخ الأزهر أن عالمية الإسلام تنظر إلى العالم كله على أنه مجتمع واحد تتوزع فيه مسئولية الأمن والسلام على الجميع، مشيرًا إلى أن العدل والمساواة والأخوة بين البشر هي حدود كونية لله على هذه الأرض، حيث إن العالمية تفرض علينا أن نعيد نظرتنا في فهمنا للغرب لتوظيف المشترك الإنساني

وطالب الطيب، جميع صانعي القرار والمؤثرين فيه تحمل مسئولياتهم لصد الإرهاب العالمي.. والتصدي لمحاولات تهويد القدس، وضورة توفير حل القضية الفلسطينية يمثل مفتاح المشكلات الكبرى التي تعيق إلتقاء الشرق بالغرب وتباعد ما بين الشعوب وتؤجج صراع الحضارات.

المشروع الإنساني

وفى الــ30 من سبتمبر الماضى، افتتح شيخ الأزهر، الجلسة من الحوار بين الشرق والغرب، الذي عقد هذه المرة بمدينة "جنيف" السويسرية.

ودعا الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في كلمته، إلى تدشين مشروع إنساني عالمي من أجل نشر السلام في كل ربوع العالم وتأكيد قيم المواطنة والتعايش المشترك، مؤكدًا أنه لم تعد تكفي تلك الإدانات والبيانات التي تصدر من أهل الأديان ضد عمليات العنف والإرهاب وخطابات الكراهية، قائلا خلال كلمته، إن الأديان جاءت لترسيخ السلام بين الناس، موضحًا أن الإرهاب لا يفرق بين متدين وملحد أو بين مسلم وغير مسلم، مشيرا إلى أن المسلمين أكثر من يدفعون ثمن هذا الإرهاب من دمائهم وأشلائهم.

السلام الدائم
وأضاف: «إننا نجتمع اليوم في ظل ظروف حرجة يمر بها عالمنا وأزمة أخلاقية تعيشها الإنسانية جمعاء، موضحًا أن معاني المحبة والسلام أصبحت استثناء من قاعدة كلية تحكم عالمنا اليوم تقوم على الأنانية والكراهية والصراع، فنحن لا نكاد نجد وطنًا واحدًا إلا ويشتاق إلى سلام دائم وعيش لا عنف فيه ولا إرهاب، ولكن من دواعي الحزن الشديد أن باتت أصابع الاتهام كلها تتجه إلى الأديان رامية إياها بتهمة صنع هذا الإرهاب اللعين».

وأشار شيخ الأزهر إلى أن محاولات إفراد الإسلام بتهمة الإرهاب جعل المسلمين بين مطرقة الإرهاب وسندان الإسلاموفوبيا، مؤكدًا أن الإسلام دين السلام، وأن يجب على مؤسسات الأديان وقادتها أن يعملوا يدًا بيد من أجل السلام للبشرية جمعاء.

صناعة السلام
وتابع: «لابد من صنع السلام بين رجال الأديان أنفسهم وبينهم وبين المفكرين وأصحاب القرارات المصيرية قبل العمل على نشره بين البسطاء من الناس»، داعيًا إلى ترسيخ مبدأ المواطنة والذي من شأنه أن يسهم في الخلاص من مشكلات دينية واجتماعية لا حصر لها سواء في دول الشرق أو الغرب.

وفي السياق نفسه أكد حكماء الشرق والغرب، المجتمعين في سويسرا رفضهم كل أشكال التعصب والتمييز العنصرى بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الأصل، وتشجيع القادة الدينيين على العمل مع الهيئات والسلطات المحلية ذات الصلة من أجل إبراز صورة الأديان بمفهومها السليم.

مبادرات النجاح
وطالب حكماء الشرق والغرب، في بيانهم الختامي، بعد انتهاء جلسات الحوار التي عقدت برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر بسويسرا، بتشجيع المبادرات الناجحة مثل "بيت العائلة" الذي أسسه الأزهر الشريف في مصر بالتعاون مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس المصرية، ومحاولة تكرارها، والبحث عن السبل المناسبة لتشجيع المساهمات الجادة للمرأة في عملية بناء ونشر السلام.

ودعا البيان الختامي، إلى وقف سباق التسلح الذي يهدد أمن الشعوب كافة، والدعوة إلى توجيه هذه الموارد لمحاربة الفقر والجهل والمرض التي تواجه الشعوب الفقيرة والغنية على حد سواء، ودعوة جميع القادة الدينيين للعمل على تحقيق العدل والسلام للبشرية جمعاء.
الجريدة الرسمية