رئيس التحرير
عصام كامل

«الجيش الموازي» فيروس ينتشر في شرايين الدول..عدم الاستقرار بيئة خصبة له.. يصطدم بالجيوش النظامية ويتحول لقوة مناوئة..«داعش» وحزب الله أبرزها.. يشجع التدخلات الدولية والإقليمية في ا

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تستغل العناصر المسلحة غير النظامية عدم الاستقرار السياسي للدول في خلق الأرض الخصبة لتكون "جيشًا موازيًا" يتمثل في بقايا الكتل الرئيسية من الجيوش النظامية التي انهارت والميلشيات المسلحة والكتائب والجماعات الطائفية والأجنحة العسكرية والتشكيلات الشعبية والفيالق الثورية والتنظيمات العشائرية والمنظمات الإرهابية.


وبحسب المركز البحثي الإماراتي "المستقبل" للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن تلك الجيوش الموازية تمكنت من السيطرة على مساحات جغرافية في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة بدول مركزية، وباتت تمتلك موارد اقتصادية، وتستحوذ على قدرات تسليحية، وتدير علاقات خارجية مع دول وفاعلين عنيفين من غير الدول؛ إذ تستغل انهيار الدول وفراغ السلطة وضعف الحكومات ورخاوة الحدود وتصاعد تأثير اقتصاديات الصراعات الداخلية، في خلق نمط "حروب استنزاف صغيرة" في مواقع متعددة، على نحو يضمن بقاءها وتمددها، وهو ما يسهم في استمرار دوامة الفوضى وتعثر الاستقرار بالإقليم.
قوة مناوئة
وشهدت العديد من الدول بالشرق الأوسط ميلاد أو تزايد تأثير جيوش مصغرة أو قوات مسلحة صغيرة أو جماعات متمردة، تتسلح بأسلحة خفيفة وثقيلة، ولها قواعد للتدريب، وتتبنى إستراتيجيات دفاعية وهجومية في مسارح عمليات مختلفة، وتمزج بين الوسائل التقليدية والحديثة، بما يجعلها قوة مناوئة للجيوش النظامية، مثل جيش حفتر وقوات السراج في ليبيا، والألوية التابعة لصالح وميلشيات الحوثيين في اليمن، و"الجيش الحر" في سوريا، و"حزب الله" في لبنان، وقوات "الحشد الشعبي" و"البشمركة" في العراق، و"الحرس الثوري" في إيران، والميلشيات التابعة لرياك مشار في مواجهة قوات سلفا كير في جنوب السودان، وجماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، وحركة "شباب المجاهدين" في الصومال.

جيوش داعش
وكان تقرير للكونجرس أشار، في يونيو 2016، إلى أن تنظيم "داعش" كون على الأقل ستة جيوش فعالة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، ونيجيريا، وأفغانستان، مع الأخذ في الاعتبار تقلص حجم سيطرة "داعش" على مناطق نفوذه الرئيسية في الدول الثلاث الأُوَل بسبب العمليات العسكرية التي تشنها قوات التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى، على غرار الفلوجة في العراق، وتدمر في سوريا، وسرت في ليبيا. وأدت هذه الجيوش إلى خلق جبهات مفتوحة فرضت تداعيات سلبية خطيرة على بقية الأطراف.

دور القادة
غير أن تلك الجيوش الموازية لم تكن وليدة سنوات ما بعد الحراك الثوري، بل كانت صنيعة قادة الدول في بعض الأحيان، إذ لجأ الرئيس الليبي السابق معمر القذافي إلى تشكيل الجيش الليبي بواسطة الميلشيات الثورية المتنوعة وقوات حماية النظام وخاصة "الكتائب الأمنية" التابعة للقذافي، عبر التجنيد المكثف لأبناء القبائل والمناطق الموالية للقذافي، لا سيما بعد فشل الجيش في خوض مواجهات عسكرية ضد الجيش التشادي في الثمانينيات وظهور التوجهات الإسلامية بين صفوف قياداته، الأمر الذي أسهم في انشطار الجيش.

ولم يكن الجيش اليمني بعيدًا كثيرًا عن الحالة الليبية، لا سيما فيما يخص تعاظم الانتماءات المناطقية والقبلية في أسس التجنيد والترقي داخله، على نحو يعيق عملية إعادة هيكلة الجيش خلال المراحل الانتقالية المتعددة. كما أوكلت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003 قضايا الدفاع الوطني وحماية النظام لمجموعة من الميلشيات الطائفية.

وقد أوضح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في تصريحات صحفية مختلفة أنّ "قوات الحشد الشعبي تُعد جزءً من الدولة التي تدفع رواتب أعضائها وتنسق عسكريًّا مع قادتها". كما ذكر مستشار الأمن القومي العراقي فالح الفياض في تصريحات صحفية، في 19 أغسطس 2016، "أن وجود الحشد الشعبي إلى جانب الجيش العراقي جناحا أمن واستقرار في العراق".

عواقب الجيوش الموازية
تصاعد دور الجيوش الموازية مع تصدع الدولة الوطنية المركزية في المنطقة العربية، إذ أدى الحراك الثوري إلى انهيار دول وليس مجرد سقوط نظم، وهو ما تشير إليه الأوضاع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، إلى درجة أن هناك اتجاهًا في الأدبيات يشير إلى "ربيع الميلشيات" في المنطقة، لا سيما مع وصول ميلشيا مسلحة إلى السلطة مثل جماعة الحوثيين في اليمن. فقد نازعت تلك الجيوش مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية في القيام بأدوارها التقليدية، بعد أن كانت تمثل المعارضة المسلحة المرفوضة مجتمعيًّا في غالبية دول الإقليم، وصارت أداة سياسية يتم الضغط بها على استقرار الدول.
الرغبة في التوسع
بحسب المركز البحثي، يؤدي الصعود السياسي للجيش الموازٍ في دولة ما إلى ازدياد الدافعية له للمزيد من الانتشار، على غرار ما يقوم به تنظيم "داعش" و"حزب الله" الذي عملت قيادته على بناء جيش يسمى "سرايا المقاومة"، التي وصفها وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق بـ"سرايا الفتنة والاحتلال" لتكون الجيش الخفي للحزب في لبنان ولتتحول إلى هيكلية عسكرية جديدة للحزب قادرة على دعمه بالمقاتلين. وتكمن أهمية هذه الميلشيات في أنها عابرة للطوائف، لأنها تحوي في صفوفها مختلف الطوائف اللبنانية، وإن كان العدد الأكبر من الطائفة الشيعية.

وكان "الحرس الثوري" الإيراني كشف، في 18 أغسطس 2016، على لسان أحد قادته في سوريا، عن مخطط لإنشاء ما سمي "جيش التحرير الشيعي" تحت إشراف قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني للقتال في ثلاث جبهات هي سوريا والعراق واليمن، ولا يقتصر الجيش في تجنيده على العناصر الإيرانية، بل يضم ميلشيات تدعمها طهران في الشرق الأوسط مثل ميلشيات "زينبيون" من المقاتلين الباكستانيين و"حيدريون" من الشيعة العراقيين و"فاطميون" من المقاتلين الأفغان.

السوق السوداء
قد تكون الجيوش الموازية السبب أو النتيجة لانتشار السوق السوداء للأسلحة. فقد أدت الثورات التي شهدتها بعض دول الإقليم، والتي تحول بعضها إلى صراعات داخلية ممتدة، فضلا عن الاحتلال الأمريكي لأفغانستان (2001) والعراق (2003) إلى تفكيك عدد من الجيوش النظامية، واستيلاء شبكات أو جماعات مصالح اقتصادية على أسلحة الجيوش، والتي تقوم بالاتجار بها في السوق السوداء التي تشهد انتعاشة، إذ صارت تلك الشبكات مصدرًا لتجارة الأسلحة بخلاف الأنماط الأخرى غير المشروعة. وهذه الأسلحة تعد بمثابة مخزون رئيسي للتنظيمات الإرهابية والميلشيات المسلحة، لا سيما في ظل تصاعد الطلب عليها من جماعات مناظرة لها في دول الجوار.

التدخل الخارجي
ولم تعد السيادة الوطنية تحظى بأهمية وقدسية خاصة، حيث باتت بعض القوى الإقليمية والدولية تدعم أحد الجيوش الموازية داخل هذه الدولة أو تلك على نحو ساهم في تحويل مسارات الصراعات المسلحة في الإقليم من النطاقات الداخلية إلى الأبعاد الإقليمية الممتدة، لا سيما أن الاتجاه إلى تسوية غالبيتها -إن لم تكن كلها- مرهون بتوازنات إقليمية وتفاهمات دولية.
الجريدة الرسمية