فكة الرئيس.. والتضامن المنشود
لتونس تجربة عظيمة في التضامن الاجتماعي قدمها الرئيس الأسبق زين العابدين بن على عندما شاهد من طائرته عششا يعيش فيها مهمشون على أرض تونس.. قرر ساعتها إنشاء صندوق للتضامن أسماه ٢٦ ٢٦ ودعا التونسيين في الداخل والخارج للتبرع فيه لصالح القضاء على العشوائيات.. استطاعت تونس من خلال هذا الصندوق ومن خلال يوم التضامن أن تنهى مشكلة العشوائيات على أرضها في سنوات قليلة بفضل استجابة المواطنين سواء داخل تونس أو العاملين بالخارج وقدمت نموذجا شهد له العالم بالريادة.
وفكرة الفكة التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته الأخيرة فكرة نبيلة وليست اختراعا مصريا.. في كل مطارات العالم يطالع المسافر صناديق زجاجية كبيرة في صالات السفر والوصول.. في المولات الكبرى بأمريكا ودول أوروبا ومعظم عواصم العالم سترى صناديق زجاجية يضع فيها المارة والمتسوقون والمسافرون الفكة، وهى في مجملها تستخدم في مشروعات خيرية ولإنشاء دور للأيتام أو مساعدة الفقراء أو الإنفاق على مشروعات ذات صلة بالموزعين.
تناول شبكات التواصل الاجتماعي لما طرحه الرئيس ليس معيارا يقاس عليه الرأي العام المصري فقياسات الرأي العام تحتاج إلى أدوات دقيقة للوقوف على رأي الشارع.. في مصر وفي غيرها لايمكن اعتبار السوشيال ميديا أدوات فعالة وحقيقية لقياس الرأي العام فكلنا يعرف دور الكتائب الإلكترونية المذهل في توجيه هذه الوسائل وصنع حالة وهمية من السخرية أو الرفض لكل ماهو جيد.
أما الذين تحدثوا حول بناء الأمم وأن بناءها لايمكن أن يتم بالتسول وطلب المعونات والتبرعات فإنهم يغفلون الدور الاجتماعي لفكرة التبرع.. التبرع ليس مالا وإنما يتعدى هذا المعنى الضيق لفكرة التراحم والتواصل والتعاطى الإيجابى بين أطياف المجتمع وشرائحه المختلفة.. التبرع قيمة معنوية أهم بكثير من حدودها المادية.
المتابع لمشروعى الأسمرات وغيط العنب يكتشف أنه أمام قيمة إنسانية أعمق بكثير من تسطيحها على هذا النحو الوارد على شبكات التواصل الاجتماعى.. أصبح لدينا مشروعات ضخمة تقف شامخة أمام الناس تعلمهم معنى العطاء وتزكى في أنفسهم أن القليل كثير في المجموع، وأن عشرة قروش أو عشرة جنيهات كفيلة بأن تزيل الألم عن أبناء يعيشون على هامش هذا الوطن.. من خلالها نصنع لُحمة بين الطبقات الاجتماعية المتباينة.
إن التبرع لمؤسسات ذات ثقة أو من خلال بنوك أو جمعيات أهلية أو مشيخة الأزهر وغيرها من المؤسسات أكرم للمحتاج من منحها في يده، وإن كان للمنح في اليد وظائف لايمكن إنكارها، فالمواطن الذي يحصل على مسكن إنسانى لائق من تحيا مصر أو مؤسسة أهلية لاتجرح كرامته بالمنح، أضف إلى ذلك أن المنح عطاء وفرض.. فرض إنساني قبل أن يكون دينيا، فالحياة مستحيلة بين طرفين أحدهما يملك كل شيء والآخر يموت جوعا.