ورحل محمد العيداروس.. فهمت الآن سر ما جري!
فى الأيام الأخيرة قبل انتخابات الصحفيين كانت زيارته واجبة..ابن الشرقية وابن دار التحرير البشوش الشهم المثقف الطيب الخلوق..كنت بصحبة صديقى العزيز الصحفى المرموق مختار معتمد..هو أدرى بشعاب مؤسسته دار التحرير وأدوارها وقياداتها..وهناك..كان عيداروس ينتظرنا..بابتسامته وأريحيته وكرمه وبكل ما عرفه الناس عنه..تحدثنا فى كل شىء وبما يسمح بأن تنتهى الزيارة فى ربع ساعة على الأكثر..إلا أنها استمرت طويلًا..أصر أن نشرب شيئًا..ولظروف انتقال بوابة جريدة " الجمهورية" إلى جناح جديد فى دور مختلف تأخرت المشروبات التى طلبناها..رفض عيداروس - البشوش الشهم الطيب المثقف الخلوق - أن نغادر قبل أن نتناول ما طلبه لنا..ترك تليفوناته ومهامه وتفرغ لنا تمامًا..واعتذر عن متابعة أى شىء ووعد بتنفيذ اقتراحنا بأن يهتم بإصدار كتب جديدة بعد نجاح كتابه الرائع " المبشرون بالرئاسة"..وكلما هممنا بالمغادرة رفض بإلحاح!!!
وعندما انتهت الزيارة فوجئت أنها استغرقت تقريبًا ساعتين..! كانت فضفضة محمد العيداروس تاريخية..استخرج فيها من داخله أشياء وأشياء..وحكى فيها ما حكي..ضحك على أشياء وبكى على أخري..والأمل فى مستقبل أفضل ومؤسسه ناجحة كان يطل فى كل حرف من كلامه..!
ومرت الأيام ويسقط على رءوسنا جميعًا خبر رحيله المفاجئ!!
بلا مرض ولا أسباب اللهم إلا إرادة الله ومشيئته..ولا راد لهما..
مات محمد العيداروس وهو ابن الأربعين..دون وداع!
إرادة الله نافذة..والموت حق على الجميع..
الحزن على صديقنا وزميلنا العزيز لا إرادة لنا فيه..فمشاعرنا كلها ملك خالقها ..
مات محمد العيداروس..
مات محمد العيداروس..البشوش الشهم الطيب المثقف الخلوق
أدركت الآن سر لقاء الوداع..وأدركت الآن لماذا أصر أن نبقى معه طويلاً ولماذا فضفض بكل ما فضفض..كانت لحظات وداع أخير..رآها بكشف الغيب..ولم نرها..
وداعا يا صديقي..أيها البشوش الشهم الطيب المثقف الخلوق!
وإنا لله وإنا إليه راجعون