رئيس التحرير
عصام كامل

السكك الحديدية.. فوضى ودماء وخسائر !


قبل سنوات وفي إحدى محاضرات قسم العلوم السياسية بجامعة أسيوط كان أستاذنا الكبير الدكتور عبدالله هدية أستاذ السياسة المعروف، أطال الله عمره، منفعلًا للغاية..رغم ما عرف عنه من خفة ظل لا حدود لها وقدرة على السخرية من أي شيء وعلي أي شيء ثم قال: "إننا البلد الوحيد في العالم الذي يطور التخلف!".


كانت دفعتنا عشرة طلاب لا أكثر..بما سمح بعلاقة طيبة بيننا وبينه ثم انطلق يحكي القصة التالية:

" كنت أنتظر القطار القادم من القاهرة على محطة رمسيس في المكان المحدد لعربات الدرجة الأولى وهي العربات التي تلي الجرار مباشرة..كانت صيحات المصريين تصل من المقاهي حول المحطة ومن المحطة نفسها تأثرًا وانفعالًا بما يجري في مباراة القمة بين الأهلي والزمالك، لكن لا وقت أمامي للسؤال عن النتيجة أو سير المباراة فالساعة تقترب من الرابعة وموعد القطار عند تمام الرابعة..إلا أن الساعة الرابعة مرت دون القطار..ثم مرت الرابعة والربع..والرابعة والنصف وما بعدها وما بعدها..كنت سأجن..وكمان كل من حولي من أساتذة جامعة وقضاة سيحدث لهم الأمر نفسه".

فلا أحد يحدثنا ولا أحد يعرف أين ذهب القطار؟..وأخيرًا بدأ الإعلان عن وصوله ولمحناه بالفعل يقترب من بعيد حيث أن محطته الأولى هي القاهرة ومن رمسيس وليس قادمًا من محطة أخرى..ولأنني أنتظر العربة الأولى فسمح لي ذلك أن أتحدث إلى سائق القطار الذي انخفضت سرعته جدًا حتى التوقف..فقلت له مازحًا وساخرُا تخفيفًا للأمر واعتقادًا أن عطلًا لا ذنب للسائق به تسبب فيما جري..فقلت: "إيه يا باشمهندس..أنت كنت بتشوف الماتش ولا إيه ؟ فكان الرد الساحق: " وهو احنا مالناش نفس نتفرج ولا إيه يا بيه!".

كان السائق يشاهد المباراة بالفعل! وقد ضرب مواعيد القطارات بالحذاء القديم وتجاوز التعليمات وتسبب في لخبطة لمواعيد الخط كله الممتد لما يقرب من 375 كيلو متر كاملة تمر على محافظات الجيزة ثم بني سويف والمنيا فأسيوط، متسببًا في تعطيل أعمال ومصالح المئات من بينهم مرضى وآخرون مرتبطون بأعمال ومواعيد ومناسبات مختلفة!.

لو في دولة أخرى لسجنوا السائق على الفور بعشرة تهم على الأقل من بينها القيام بعمل إرهابي واختطاف أحد قطارات هيئة عامة..ولكنها هكذا الفوضي لم تتوقف طوال السنوات الماضية..حتى أن حادث أمس الأول وقع لقيادة السائق القطار بأكثر من السرعة المقررة ! وعند كل حادث أو حادثة يرتفع الصياح والكل يتهم الكل..والكل يتملص من كل شيء..والكل يعد ويتعهد بالتغيير الشامل وهكذا حتى الكارثة التي تليها دون إدراك أن منهج الإدارة نفسه يحتاج إلى تغيير ودون التفكير لمرة واحدة في دورات لتأهيل السائقين والموظفين وتطوير أدواتهم والارتقاء بثقافتهم ووعيهم..
ثم يسألونك عن الخسائر!
الجريدة الرسمية