رئيس التحرير
عصام كامل

كبير مفتشي وكالة الطاقة الذرية: مشروع الضبعة مكسب ولا يمثل عبئا اقتصاديا على مصر

فيتو

  • السيسي نفذ مشروعات قوية ولكننا غير قادرين على رؤية نتيجتها حاليًا 
  • مصر تواجه مؤامرة أمريكية.. ورفع الدعم ضرورة حتمية
  • امتلاك كوريا الشمالية للقنبلة النووية أكذوبة أمريكية
  • دخلنا مرحلة الفقر المائي.. وسد النهضة ليس السبب الوحيد
  • استخدام الفحم كارثة تورط فيها "محلب".. ومستقبل الطاقة في "النووي" والرياح والشمس
  • قدمت للسيسي مذكرة من 5 نصائح حول المفاعل النووي.. نفذ معظمها
  • التعاقد الروسي لإنشاء مفاعل "الضبعة" النووي درب من الخيال.. ولم أر مثله في حياتي
منذ بداياته العلمية والعملية وهو يحاول أن يفيد بلده بأفكاره، وأبحاثه ومشروعاته كي لا تعتمد على الغير في إنتاج الطاقة التي تحتاجها وبأقل تكلفة من أجل تحقيق التنمية المرجوة ورفع مستوى المواطن الفقير.

إنه الدكتور "يسري أبو شادي" كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس قسم الضمانات سابقًا، وأستاذ زائر ورئيس قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية سابقًا وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية.
في حواره مع "فيتو" كشف عن الطريقة الأمثل لتسديد قرض مشروع "الضبعة" النووي لروسيا، ومطالباته للحكومة وتوصياته للرئيس، وما أخذت الحكومة به منها، وما لم تنفذه حتى الآن، وكواليس عمله في الدول التي أشارت نحوها أصابع الاتهام باتجاهها لأن تصبح نووية، مثل العراق، و"كوريا الشمالية".
أيضا كشف الكثير من الأسرار حول تحريف الدكتور محمد البرادعي، أثناء توليه رئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للعديد من التقارير؛ بغرض إدانة العراق، واعتمد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عليها في ضرب الدولة العربية، واحتلالها.

- في البداية نود الحديث عن مشاركتكم في مؤتمر نظمه مجلس التعاون الخليجي في جامعة كامبريدج، فكيف كانت؟
= عندما كنت في جامعة كامبريدج بإنجلترا الشهر الماضي لحضور مؤتمر نظمه "مجلس التعاون الخليجي" بدعوة من أمين المجلس "عبداللطيف الزياني" اقترحت فكرة بدأتها في مصر، وهى "كيفية تصنيع مفاعلات صغيرة في الصحراء" لإنتاج الكهرباء والمياه العذبة وهذا هو الجديد، إذ يعمل هذا المفاعل الصغير في منطقة لا يوجد بها مياه ولكنه يعمل على المياه الجوفية للتبريد.
وقمت بالفعل مع طلاب جامعة الإسكندرية بتنفيذ نموذج صغير من مشروع المفاعل الصغير، والآن جامعة المنصورة مهتمة ومتحمسة أيضًا بهذا المشروع، فهى ساهمت من قبل في إنشاء مركز للنووي مقره "جمصة" لا يقتصر فقط على المجال النووي ولكن لتعليم المصريين تصنيع النووي بعد حصولنا على التراخيص اللازمة، وبالمناسبة لن يعتمد هذا المركز استخدام الوقود النووي ولكنه بمثابة مفاعل محاكاة حقيقي وليس "لعبة" لتدريب العاملين والمهندسين.

- كيف ترى الانتقادات التي يواجهها مشروع مفاعل الضبعة النووي للاستخدامات السلمية الذي تعتزم الحكومة إنشاءه خلال الفترة المقبلة؟
= ليس هناك مشكلة من معارضة مشروع الضبعة ولكن يجب أن تكون المعارضة مبنية على العلم وطرح الأسئلة للإجابة عليها، وإذا كانت الإجابات منطقية يجب الاقتناع بها لأنه لن يوجد نقاش مع المهاجمين بدون علم أو لأسباب أخرى إما سياسية أو جهل علمي".

- بم نصحت القيادة عندما قررت البدء في تنفيذ مشروع الضبعة؟
= قابلت رئيس الوزراء السابق "إبراهيم محلب"، وسلمته رسالة للرئيس عبد الفتاح السيسي بها 5 نقاط حتى الآن يلتزم بها "السيسي" بدقة، وأول وأهم تلك النقاط هي إلغاء "المناقصة" اختصارًا للوقت والاختيار بين الشركات الخمس مباشرة. ويمكنني القول إن ثلاثا منها كانت خارج المنافسة وتبقى منهم اثنتان فقط هي "الروسية" و"الكورية الجنوبية"، وبالنسبة لمصر "الروسية" هي الأفضل".
وأحب أولا توضيح أن رفع الدعم ضرورة حتمية وهو ما طالبت به خلال الفترة الماضية، بسبب تراكم الدعم بشكل خرافي فهو (150 مليارا أو 200 مليار) لأنه ليس مجرد دعم لسعر الكهرباء ولكن لسعر البترول والغاز الطبيعي الذين يستفيد منهم أغلبية المواطنين (الغني والفقير)، لذا يجب تغيير هذا الأسلوب، وأنا لا أتوقع أن تعاني الطبقة الفقيرة منه كثيرًا ولكن الطبقة المتوسطة هي من ستعاني قليلا، والحل بالنسبة لي هو زيادة الأجور ورفع أيدي الحكومة من الدعم.
وأشدد هنا على حاجة مصر لمصادر طاقة متنوعة لأن الطاقة هي العمود الفقري لتنمية الشعوب، خاصةً المفتقرة للبنية التحتية القوية التي يمكن الاعتماد عليها، والطاقة هنا ليست كهرباء فقط، ولكنها أيضًا مياه عذبة، خاصةً مع دخولنا مرحلة الفقر المائي ليس بسبب سد النهضة الإثيوبي فهو عامل مساعد فقط، ولكن بسبب الكثافة السكانية وزيادة عدد السكان.. فبدلًا من أن يكون نصيب الفرد من المياه 1000 متر مكتب سنويًا، أصبح اليوم 600 متر.. ومن الممكن بعد أعوام أن يصبح 300 أو 350 مترا مكعبا، لذا نحن بحاجة لطاقة من أجل توليد مياه عذبة، بالإضافة إلى أن 95 أو 96% من الأراضي المصرية صحراء غير مستفاد منها ولن يحدث هذا إلا بالطاقة لاستصلاحها وتشييد قرى ومدن جديدة.
وأشير أيضًا إلى إنتاجنا 90% من الكهرباء من الغاز الطبيعي أولا ثم المازوت وإلى استيرادنا حاليًا ثلث الغاز الطبيعي ونصف البترول، وأنا أتوقع عدم استمرار اعتماد الدولة على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء لارتفاع أسعاره وعدم ضمان اكتشاف حقول غاز جديدة، لذا من الضروري البحث عن مصادر أخرى للطاقة على رأسها النووي، والرياح، والشمس والبيولوجية.

ولكن للأسف قرر "محلب" إنشاء محطات إنتاج كهرباء بالفحم، والفحم له أضرار رهيبة والدول المتقدمة التي تستخدمه حاليًا تعتمد على النظيف منه، وأشك تمامًا أن تستخدمه مصر رغم تشديد وزير البيئة على عدم دخول طن فحم واحد بدون مواصفات وأتفاجأ أن تلك المواصفات هي أن سعر شراء الفحم بتلك المواصفات أغلى من البترول والغاز الطبيعي، لذا تأكدت أننا سوف نشتري الفحم الرخيص الملوث للبيئة.

- هل يوجد دول حول العالم تستخدم الفحم في إنتاج الكهرباء حاليًا؟
= لا توجد دولة حاليًا تفكر في إنشاء محطة فحم لتوليد الكهرباء والموجود حاليًا محطات قديمة، والسبب هو اقتراب نفاد الفحم النظيف وبالتالي ارتفع سعره؛ لذا مصر بحاجة لطاقة جديدة ومتجددة، وفي رأيي، الطاقة النووية مع الطاقة المتجددة وبصورة خاصة الرياح ثم الشمس ثم الطاقة البيولوجية.

- كيف ترى العرض الروسي لإنشاء مفاعل الضبعة من حيث التكلفة؟
= أولا شركة "روس آتوم" الروسية هي رقم واحد فنيًا واقتصاديًا وانتشارًا في العالم، وأهم شيء في هذا العرض هو عدم دخولنا في تصنيع الوقود النووي، إذ يمكننا تأجير هذا الوقود من روسيا مثلا لاستخدامه ثم إعادته واعتقدت أن روسيا وافقت على هذا، أما في حالة الاختلاف مع روسيا كما يقول البعض، أرى أنها ليست مشكلة حتى إذا كنا في خلاف مع الدول الغربية التي تملكه أيضًا لأنه يمكن تأجير الوقود النووي من دول عديدة وأهمها الصين، تليها إيران واليابان.

أما بالنسبة للناحية الاقتصادية، كخبير دولي طاف العالم بأكمله وشاهد مئات المحطات والعقود النووية، هذا العرض هو أفضل عرض رأيته في حياتي، فالعقد مع روسيا عبارة عن دولة تبني لدولة أخرى أربع محطات نووية مجانًا إلى أن تعمل تلك المحطات وتنتج طاقة ونقودا ثم تبدأ الأخيرة في دفع القرض، فضلا عن أن أرباح هذا القرض 3 ملايين دولار أمريكي وهو رقم ضعيف للغاية، والفكرة في القرض هو أن مصر ما بين 2016 وهو عام بداية البناء إلى تشغيل أول مفاعل عام 2023 لن تدفع أي أموال ولكنها ستدفع أرباحا قيمتها 3% أي نحو 5 مليارات دولار أمريكي حتى عام 2029 أي على مدى 13 عامًا سيكون الروس دفعوا خلالهم القرض بأكمله (25 مليار دولار)، وفي 2023 سيدخل أول مفاعل حيز الإنتاج وعلى مدى عام إذا افترضنا أن سعر الكهرباء سيكون 80 قرشًا سوف تبيع كل محطة نووية في العام الواحد كهرباء بمليار دولار أمريكي.
وإذا افترضنا تشغيل أول محطة حتى عام 2024 سيكون بين أيدينا مليار دولار، وعند دخول ثاني محطة في الإنتاج سيكون لدينا 3 مليارات، وفي عام 2025 سوف يصبح المبلغ 6 مليارات، وبين عامي 2026 و2027 سيكون معنا 10 مليارات دولار أمريكي، وإذا واصلنا الإنتاج حتى عام 2029 سيصل المبلغ إلى 18 مليار دولار، وهذا يعني أنه عندما تبدأ مصر في تسديد القرض سيكون معها بالفعل 18 مليار دولار، وفي حال انتظارها عامين آخرين سوف تنتهي من تسديد هذا القرض، لكن للأسف الدولة لا تتبع تلك الخطة لتفضيلها الراحة وقررت دفع القرض بدءًا من عام 2029 حتى عام 2050.

- في رأيك لماذ وافقت روسيا على تسديد مصر القرض بتلك الطريقة؟
= إنه التاريخ.. مصر وروسيا يعني التاريخ.. فمنذ بداية الخمسينات من القرن الماضي لم يكن للاتحاد السوفيتي وجود نهائي في منطقة الشرق الأوسط، ومصر كانت دولة قوية جدًا وقتها رغم محاربة الغرب لها بشدة وقت الثورة وهنا قرر الروس تحقيق بعض التوازن بين القوى وبدءوا التعاون مع مصر بشكل رهيب من خلال دعمنا بالسلاح وبناء المصانع والسد العالي بأسعار لا تُذكر وقتها، وكان هناك رئيس سوفيتي أطيح به فجأة من منصبه في منتصف الستينات وكان أحد الأسباب هو المساعدات الخرافية لمصر خاصةً السلاح، وعند تولي الرئيس الأسبق محمد أنور السادات الحكم لم يقطع العلاقات مع الروس ولكنه في أواخر الحكم وقع اتفاقية "كامب ديفيد" وفترت هنا العلاقات لاعتباره مع الكتلة الغربية وهو ما اتبعه أيضًا "محمد حسني مبارك".
والآن تغير الوضع بقيادة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وأصبح هناك دولتان كبيرتان بعدما مُسحت بلاده إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، ويرى الروس في اتفاق الضبعة فائدة كبيرة لتعود صورتهم أمام العالم فضلا عن تقوية التعاون مع مصر على مدى 60 أو 80 عامًا والدليل على ذلك مواصلتها الاتفاق حتى بعد تحطم الطائرة الروسية "إيرباص 321" في سيناء.

- ماذا طالبت في هذا المشروع لتستفيد منه مصر بشكل أكبر؟
= طالبت طبعًا بتعيين مجموعات من الشباب المصري لتتولى قيادة مشروع الضبعة كي لا يُنفذ بالطريقة التقليدية ويتعرض لأي تعطيل أو تأجيل، يوجد بالفعل مجموعة شباب مصري بالمشروع ولكن أنتظر رؤية شباب وخبراء أكثر من ذلك.

- هل تتفق مع الأصوات التي تدعى أن مصر تتعرض لمؤامرة خارجية؟
= مؤامرة غربية، وبشكل أدق مؤامرة أمريكية.. من المسئول عن الربيع العربي؟ كل هذا خطط أمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر.. وبعد الخسائر التي شهدتها "واشنطن" في العراق قررت تنفيذ خطتها بأيد أخرى دون مقتل جندي أمريكي واحد من خلال تسليط المواطنين بعضهم على بعض، ويرى ضعاف النفوس أنه هو الطريق الصحيح، وما النتيجة الآن؟ انهيار دول كاملة مثل العراق، كانت إحدى خلافاتي مع "البرادعي"، فقد كانت دولة كبيرة جدًا بصناعتها القوية جدًا، وسلاحها وعلمائها، وسوريا أيضًا مثلها، وتونس.
لا أستبعد أيضًا وجود مؤامرة اقتصادية، فالرئيس "السيسي" نفذ مشروعات قوية ولكننا غير قادرين على رؤية نتيجتها حاليًا ولكننا نرى ملامحها مثلا في "الطرق" لبروزها.. يمتلك الرئيس طموحات ورغبة والدليل المدن الجديدة، ولكني مندهش جدًا من التلاعب في سعر الدولار الأمريكي الذي تخطى اليوم 13 جنيهًا رغم أنه كان منذ عامين فقط 7 جنيهات فقط، أريد مسئولا واحدا يخرج للجماهير ويتحدث عن المشروعات التي "طارت" فيها العملة الأجنبية. وأنا أؤكد أن مشروع الضبعة لا يمثل أي عبء اقتصادي على مصر، بل على العكس "مكسب".

- في رأيكم، متى بدأت كوريا الشمالية في إنتاج قنابل نووية؟
= عشت في كوريا الشمالية سنوات عديدة، وعلى عكس جميع المفتشين في الوكالة الدولية كنت لا أرى الحياة في كوريا عقاب لضعف إمكانياتها المادية بسبب الفقر، بل كنت سعيدا جدًا لأسباب عديدة لأن الكوريين حققوا حلما تمنيت تحقيقه في مصر عام 1970 تقريبًا عندما كان مشروعي هو تصميم بسيط لمفاعل غاز جرافيتي يحتاج فحما نظيفا ووقودا طبيعيا دون تخصيب، وكان عندي يقين بأن مصر قادرة على تنفيذه بمفردها ولكن بسبب النكسة في ذلك الوقت لم يهتم أحد بهذا الموضوع، وعندما زرت كوريا الشمالية لأول مرة تفاجأت بالمفاعل هناك ومن أهم مزاياه غير إنتاج الكهرباء هو إنتاج بلوتونيوم عالي الجودة للأسلحة النووية التي كانت في بالهم. وكان الكوريون الشماليون يستشيرونني في المشكلات النووية التي يواجهونها بحكم كوني مهندسا نوويا، وفي نفس الوقت سمحوا لي برؤية مفاعلهم، وقد أكون أنا الوحيد في العالم أجمع الذي رأى هذا المفاعل من الداخل.
أما فيما يخص امتلاكها للقنابل النووية، فهو في البداية كان كذبا أمريكيا نتيجة فبركة المخابرات الأمريكية قصة حول سرقة كوريا الشمالية وقود مفاعلها النووي واستبداله بوقود آخر لاستخراج "البلوتونيوم" من القديم. ولكن عندما أصبحت كافة التفاصيل بين يدي أدركت أنه من المستحيل من الناحية الفنية تشغيل المفاعل في الوقت الذي ادعوا فيه إنتاجه للبلوتونيوم بسبب انغلاق بعض قنواته. وفي عام 2002، ادعى سفير أمريكي مندوب للرئيس السابق "جورج بوش" أن الكوريين اعترفوا له بامتلاكهم قنابل ذرية وهو ما كذبوه بعد ذلك وتصاعدت الأزمة بين الدولتين، ولم يعتذر السفير عن كذبه وقامت "بيونج يانج" بطرد جميع مفتشي الوكالة بقرار سيادي في ديسمبر من نفس العام رغم علاقتي الطيبة بهم وحبهم لي، ولكن في النهاية أنا فرد.
وصحت توقعاتي فيما بعد بشأن تشغيل الكوريين المفاعل وإنتاج قنبلة في غضون عامين، وبالفعل في 2006 فجروا أول قنبلة وأصبحت كوريا الشمالية دولة خطيرة.


الجريدة الرسمية