رئيس التحرير
عصام كامل

عمرو الجارحى وزير «الجباية».. قرض «النقد الدولي» أبرز إنجازات «المالية».. و«عجز الموازنة» الخطيئة الكبرى.. جماعات الضغط تهدد مستقبله.. ويعيش في جلباب «بطرس

عمرو الجارحى وزير
عمرو الجارحى وزير المالية

منذ اليوم الأول، لتولى عمرو الجارحى وزير المالية مهام منصبه، بجانب نوابه الثلاثة عمرو المنير وأحمد كوجك ومحمد معيط، أطلق بعض الخبثاء من أنصار الوزير السابق هانى قدرى عددا من التعليقات على «الجارحي» والنواب الثلاثة من بينها «وزير الظل وثلاثى أضواء المسرح» و«أنف وثلاثة عيون.. وزير وثلاثة نواب»، إلا أنه استطاع خلال فترة وجيزة إثبات جدارته بالمنصب، فيما ساهم التناغم بين الوزير والنواب في الإسراع بوتيرة العمل بالوزارة خاصة فيما يتعلق بالملفات الحرجة وعلى الرغم من كل ذلك يرى كثير من المتابعين أن وزير المالية يعمل ضد الفقراء ومحدودى الدخل على طول الخط، لدرجة أن البعض لقبه بوزير الجباية على خلفية الضرائب المختلفة التي تم استحداثها مؤخرًا..


وحول كشف الحساب لوزير المالية عمرو الجارحى خلال الأشهر الخمسة التي قضاها بالمنصب منذ توليه المسئولية في الثانى والعشرين من مارس الماضى، خلفًا لهانى قدرى، استطاع إنجاز العديد من الملفات في وقت قياسى، كما لا يمكن تجاهل الدور الواضح لكل من عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، والدكتور أحمد كوجك نائب وزير المالية للسياسات المالية والكلية، والدكتور محمد معيط نائب وزير المالية لشئون الخزانة العامة، ورئيس وحدة العدالة الاقتصادية بالوزارة، والذين تم تعيينهم من قبل الرئيسى عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى في تاريخ وزارة المالية على مدى تاريخها.

وشهدت وزارة المالية خلال الفترة الماضية نجاح مسئولى وزارة المالية في إنجاز عدد من الملفات يأتى في مقدمتها نجاح المفاوضات مع بعثة صندوق النقد الدولى للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار خلال 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنويًا، في حين شهدت الوزارة عددا من الإخفاقات منها عدم السيطرة على عجز الموازنة، حيث لم تتغير سياسة الوزارة في الاعتماد بشكل مباشر على طرح أذون وسندات الخزانة لسد العجز في الموازنة، وتغطية النفقات اليومية للحكومة.

تناغم فريق العمل
بداية عمرو الجارحى ونوابه الثلاثة كانت مبشرة حيث ودعت خلالها الوزارة ما يسمى بسياسة «الرجل الأول»، والذي كان يتبعها الوزير السابق هانى قدرى، والذي كان يسيطر على كافة الملفات الحيوية داخل وزارة المالية، كما كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة داخل الجهات والمؤسسات التابعة للوزارة.

وتوزعت الأدوار بين الوزير والنواب، كل في تخصصه وفقًا لتكليفات الرئيس السيسي لكل نائب لوزير المالية، فيما تولى «الجارحي» التنسيق بين مهام نواب الوزير، بجانب الإشراف على عدد من المهام الأخرى.
وخلال الأشهر الخمسة الماضية اعتمد «الجارحي» على فريق العمل بالوزارة في اتخاذ القرارات، حيث يعتمد في المقام الأول على نوابه الثلاثة كل في اختصاصه، في التشاور في القرارات، ولم يتخذ قراراص منفردا منذ توليه المهمة.

اتفاق “النقد الدولى”.. الإنجاز الأكبر
يعد نجاح الحكومة في توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار، أبرز إنجازات وزير المالية عمرو الجارحى منذ توليه المنصب، خاصة في ظل الإسراع بوتيرة المفاوضات، والتسيق بين «المالية»، والبنك المركزى فيما يتعلق بشروط القرض.

التحدى الأكبر أمام «الجارحي» ونوابة الثلاثة في وزارة المالية هو الالتزام في تطبيق برنامج إصلاح الاقتصاد المصري، الذي وافق عليه مجلس النواب في العشرين من أبريل الماضى، ودارت حوله مفاوضات صندوق النقد الدولي، خاصة وان قرض «الصندوق» سيساهم بشكل كبير في سد عجز الموازنة العامة للدولة، ويساعد في السيطرة على الارتفاع الملحوظ في الأسعار خلال الآونة الأخيرة، كما يعد حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولى بمثابة اعتراف بالبرنامج الإصلاحى لدى الحكومة المصرية، وثقة في خطواتها الجادة لضبط السياسة النقدية.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة وقعت في الحادى عشر من أغسطس الجارى اتفاقا مع بعثة صندوق النقد الدولى لاقتراض 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات، ويتضمن الاتفاق تخفيض الدين العام لمصر من 98% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 88% في العام المالى 2018/ 2019، بالإضافة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة والاستمرار في برنامج تقليص دعم الطاقة الذي في بدأ في 2014.

«القيمة المضافة».. قانون الانتقادات
تواجه وزارة المالية انتقادات حادة منذ الإعلان عن إعداد مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة ليكون بديلًا عن قانون ضريبة المبيعات، خاصة وأن التحول لضريبة القيمة المضافة سيؤدى إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع والخدمات، وهو ما تحقق بالفعل عقب تقديم مشروع القانون لمجلس النواب وبدء مناقشته في لجنة الخطة والموازنة.

وتعد ضريبة القيمة المضافة امتدادا لضريبة المبيعات، والتي يتم تطبيقها في مصر منذ عام 1991، وهى ضريبة غير مباشرة يتم فرضها على مراحل إنتاج السلع والخدمات، ومن ثم يتم احتساب الضريبة على جميع مراحل الإنتاج، بدلًا من ضريبة المبيعات التي يتحملها المستهلك النهائى.
وتستهدف وزارة المالية من خلال مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة تحصيل نحو 35 مليار جنيه، وساهم كل من وزير المالية ونوابه الثلاثة بالتشاور مع قيادات وزارة المالية في تعديل بعض بنود مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة، وإدخال عدد من التعديلات المتعلقة بإعفاء 52 سلعة وخدمة من الضريبة، تضم أغلب السلع الأساسية التي يستهلكها المواطن البسيط وجميع متطلبات المواطن البسيط من العبء الضريبى حيث يعفى من جميع المواد الغذائية والخدمات التعليمية والصحية الموجهة للمواطن العادى، بما يساهم في تخفيف الضغوط التضخمية التي تسببها الضريبة.

ورغم تعديل مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة والتوسع في قائمة السلع المعفاة من سداد الضريبة إلا أن تأكيدات مسئولى «المالية» بأن ضريبة القيمة المضافة لن تتسبب في ارتفاع أسعارها نظرا لأن النظام الجديد يتوسع في الخصم الضريبى ليشمل خصم الضريبة السابق سدادها على المدخلات المباشرة وغير المباشرة وهو ما سيساعد على امتصاص أثر أي تعديل في السعر العام للضريبة، إلا أن تلك التأكيدات فشلت في الحد من الارتفاع غير المبرر في الأسعار.
ويقود عمرو المنير حاليًا عمليات التفاوض مع أعضاء مجلس النواب والائتلافات لإقناعهم بأهمية تطبيق ضريبة القيمة المضافة لزيادة الحصيلة الضريبية من ناحية، والمساهمة في ضم الاقتصاد غير الرسمى في الاقتصاد الرسمي.

العجز.. موازنة الاقتراض الداخلى
ورغم معاناة الاقتصاد المصرى من تزايد معدلات عجز الموازنة التي سجلت 12% في المتوسط خلال آخر 4 سنوات، وارتفاع الدين العام لنحو 2.7 تريليون جنيه منها 53.4 مليار دولار مديونية خارجية وهذه الأرقام تقارب على نسبة 99% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر، إلا أن سياسة وزارة المالية لا تزال حتى الآن تعتمد على الإقراض الداخلى من البنوك في سد عجز الموازنة وتغطية النفقات اليومية للحكومة.
وشهدت الفترة القليلة الماضية إفراط وزارة المالية في طرح أذون وسندات الخزانة العامة التي تصدرها، ويتم تداولها في السوق الثانوى بالبورصة وفقًا لنظام المتعاملين الرئيسيين، خاصة في ظل توقف المنح والمساعدات من الدول العربية.


الوزير المتواضع
ومن أبرز السمات الشخصية لوزير المالية هو التواضع مع الجميع، حيث يظهر مرونة في الحديث ليس فقط مع كبار مساعديه، بل مع جميع العاملين وطاقم الحراسة المكلف بتأمينه، كما يتعامل بهدوء بعيدًا عن سياسة الصوت العالى، فيما لم تظهر على الوزير آفة «داء العظمة» التي تصيب البعض من السلطة التي خولها لهم القانون، وهو ما ينطبق كذلك على نواب وزير المالية، والذين يتواصلون بشكل جيد مع وسائل الإعلام.

الملفات المشتعلة.. جماعات ضغط الضرائب
تعد ثورة العاملين بمصلحة الضرائب أكبر تهديد على الوزير، خاصة مع ظهور ما يسمى بجماعات الضغط من العاملين بمصلحة الضرائب ومطالبتهم بالترقيات القيادية المتأخرة، خاصة الدرجتين الأولى والثانية.
ورغم أن مصلحة الضرائب تعد من أهم الجهات الايرادية للدولة، وأهم مصدر للموارد السيادية لتمويل الموازنة، إلا أن تأخر حركة الترقيات بمصلحة الضرائب يعد خطرا واضحا على استمرار «الجارحي» في منصبه خاصة في ظل حالة الغليان بمأموريات الضرائب على مستوى الجمهورية بسبب تأخر حركة الترقيات للعاملين خاصة الدرجتين الأولى والثانية، وهو ما دعا العاملين بمصلحة الضرائب للتعيبر عن اعتراضهم على تأخر حركة الترقيات خلال الوقفة الاحتجاجية التي نظموها في العاشر من أغسطس الجاري.

يطالب العاملون بمصلحة الضرائب بسرعة إصدار حركة الترقيات المتأخرة منذ أكثر من 3 سنوات، ووضع نظام جديد للحوافز يكافئ المجتهد ويحقق الرضا الوظيفى والعدالة، ويربط الحوافز بالحصيلة الضريبية كما كان يفعل وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالى، بالإضافة إلى المطالبة بتوفير تدريب نظرى وعملى لمأمورى الضرائب على آليات تطبيق ضريبة القيمة المضافة، خاصة في ظل اقتراب انتهاء مناقشة القانون بمجلس النواب.

«المنير» الجندى المجهول
يعد عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبية الجندى المجهول وراء زيادة حصيلة كل من الضرائب والجمارك، خاصة وأنه يتولى الإشراف على كل من مصلحة الضرائب والجمارك، كما يعود له الفضل الأول وراء التعديلات التي أجرتها وزارة المالية على مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة، وساهم بدور كبير في إعداد التعديلات المقترحة على قانون الجمارك، إضافة إلى إعداد مشروع قانون التصالح مع النزاعات الضريبية.

ويعد «المنير» أحد أبرز خبراء الضرائب الدولية في مصر، ويعرف بلقب «جراح الضرائب» لكونه متخصصا في السياسات الضريبية والضرائب الدولية، وشغل قبل تعيينه نائًبا لوزير المالية لسياسات الضرائب العديد من المناصب منها على سبيل المثال لا الحصر منصب شريك قطاع الضرائب في مكتب «برايس ووتر هاوس كوبرز» ـ مصر «pwc»، وعضوًا بمجلس إدارة جمعية الضرائب المصرية، كما شغل عمرو المنير منصب نائب مساعد وزير المالية لشئون الضرائب، إبان تولى الدكتور يوسف بطرس غالى وزارة المالية، فيا يعمل «المنير» محاضرًا بالجامعة الأمريكية لمادة الضرائب الدولية، والسياسات الضريبة.

الحرب مع البنك المركزي

في الوقت الذي تختص فيه وزارة المالية بإدارة السياسة المالية للاقتصاد المصرى، يختص البنك المركزى بإدارة السياسة النقدية، فيما يتولى المجلس التنسيقى للسياسة النقدية التنسيق بين كل من «المالية» و«المركزي» لضبط إيقاع النشاط الاقتصادى، وبالرغم من اجتماع المجلس التنسيقى للسياسة النقدية أكثر من مرة برئاسة شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، إلا أن هناك تضاربًا واضحًا بين السياسة المالية والنقدية، وهى الحرب التي تدور رحاها بين وزارة المالية والبنك المركزي، وهو الدور الذي يتولاه أحمد كوجك نائب وزير المالية للسياسات المالية، وممثل وزارة المالية بمجلس إدارة البنك المركزي.

وزارة المالية من جانبها تسعى لاتباع سياسة توسعية تستهدف في المقام الأول زيادة معدلات نمو الاقتصاد المصرى بنسبة 5.2 % خلال السنة المالية الحالية 2016 /2017، إلا أن البنك المركزى يتبع في الوقت ذاته سياسة انكماشية تستهدف في المقام الأول محاربة التضخم عن طريق رفع الفائدة على الإقراض والاقتراض، والعمل على تخفيض معدلات السيولة، وهو ما يعد تضاربًا واضحًا مع السياسة المالية للحكومة، ويتنافى مع خططها لتشيط الاستثمار وزيادة معدلات الإنتاج والتشغيل وزيادة معدلات النمو والحد من ارتفاع معدلات البطالة، وهى الأهداف التي أعلنها الرئيس السيسي وطالب الحكومة بتنفيذها.

وسجلت معدلات البطالة نحو 13.4% فيما سجل التضخم فوق مستوى 11%، كما سجل الاقتصاد المصرى عجزًا كبيرًا في الميزان التجارى وميزان المدفوعات وأزمة في أسعار صرف العملة المصرية سببها نقص الدولار وهو ما يرجع لانخفاض أداء قطاع السياحة بصورة كبيرة وبدلا من تحقيقه إيرادات بنحو 14 مليار دولار قبل 5 سنوات نتوقع العام الحالى ألا تزيد إيرادات السياحة على 5 مليارات دولار فقط، مع تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وكل هذا يفرض ضغوط شديدة على الاقتصاد المصري، بما يستوجب العمل على تنشيط معدلات الاستثمار، وليس زيادة سعر الفائدة لمحاربة التضخم كما يفعل البنك المركزي.
العدالة الاقتصادية

موازنة قدري.. “ورطة الجارحى”
ناقش مجلس النواب الموازنة العامة التي أعدتها وزارة المالية للسنة المالية 2016/ 2017 للمرة الأولى في مصر منذ ثورة 25 يناير عام 2011، إلا أن الموازنة التي تم وضعها إبان تولى الوزير السابق هانى قدري، ولم يستطع عمرو الجارحى تعديلها بعد توليه المسئولية لضيق الوقت من ناحية، وكذلك عدم القدرة على إجراء تعديلات جوهرية ببنود الموازنة، وهو ما ساهم في خروج الموازنة في شكلها النهائى واعتمادها بالرغم من أنها تضم عددا من التشوهات خاصة فيما يتعلق ببنود المصروفات.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية