رئيس التحرير
عصام كامل

الغلاء يلتهم «الشعبية» رغم العطاء


كنت وما زلت من المؤيدين للرئيس السيسي، لكن هذا لا يمنعني من التوقف عند العثرات والتنبيه للأخطاء، خصوصا أنها تأتي من غيره وتجرف في طريقها الجهد الجبار الذي يبذله الرئيس، والعطاء المتواصل في الداخل والخارج.


عندما تطرقت في الأسابيع الفائتة إلى عجز حكومة شريف إسماعيل وفشل محافظ البنك المركزي طارق عامر وتسبب سياستهما "العرجاء" في موجة غلاء فاحش تعاني منها مصر وارتفاع جنوني في سعر الدولار وأزمة اقتصادية طاحنة، تمنيت حينها أن ينهي الرئيس "المهزلة" الحاصلة بإقالة طارق عامر وشريف إسماعيل، وتعيين أهل الخبرة والكفاءة وأصحاب الفكر القادرين على الإصلاح الاقتصادي واتخاذ القرار السليم ومتابعة تنفيذه وإدارة العمل على الأرض، وهذا أمر يحتاج سمات شخصية يفتقدها كل من عامر وإسماعيل.. ولكن للأسف ما زال الاثنان يمارسان عملهما!!

نشر مركز "بصيرة" لبحوث الرأي العام نتيجة استطلاعه الشهري لرأي المصريين حول أداء الرئيس، وقد أسفر عن مؤشرات غير جيدة لابد من دراستها والتوقف عندها.. أولها إحجام نسبة غير قليلة عن عدم الإدلاء برأيها ما يعني برأيي الشخصي نوع من التذمر والاستياء من الأداء، ورغم هذا تظل نسبة المشاركة في استطلاع الرأي هذا أكبر من نظيراتها في بعض الدول الأوروبية والغربية.

ثاني المؤشرات وأهمها تمثل في تراجع شعبية الرئيس السيسي بنحو 10%، فبعد أن كانت نسبة الرضا عن أدائه 91% انخفضت هذا الشهر إلى 82%، وتلخصت أسباب عدم الرضا في الغلاء وارتفاع سعر الدولار والأزمة الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل للشباب. وهذه الأسباب مجتمعة سببها تدني أداء الحكومة وفشلها في تلبية احتياجات الشعب وضبط الأسعار ومواجهة جشع التجار، ما انعكس سلبا على الرئيس السيسي وبدأ "يلتهم شعبيته".

يزيد من تآكل الشعبية الجارفة للرئيس السيسي لجوء الحكومة إلى الاقتراض من "صندوق النقد الدولي"، ما يدخل البلد في "متاهة" من الإجراءات والتقشف وتنفيذ شروط "الصندوق" وفي مقدمتها تعويم الجنيه ورفع الدعم وبيع بعض من الأصول المملوكة للدولة وغيرها الكثير، ومع هذا "يتفلسف" طارق عامر قائلا "إن القرض حق لنا" وكأنه حقق إنجازا بالاتفاق على القرض، بعد أن أغرق الجنيه المصري وأفقده قيمته، وأكمل أمس شريف إسماعيل العزف على "النغمة النشاز" نفسها، بأن "الحكومة تتعامل بشفافية ولا تخفي شيئا وحريصة على الإصلاح، وتعمل على وصول الدعم لمستحقيه وحماية محدودي الدخل".. ونقول لطارق وإسماعيل "لا إصلاح يتم بالقروض وتحميل الجيل الحالي والأجيال القادمة أعباء لا قبل لهم بها بدعوى إنعاش الاقتصاد. ما نعرفه أن الإصلاح يبدأ بوقف الإهدار في السياسة المالية العامة للدولة وتغيير النمط الاقتصادي من استهلاكي إلى إنتاجي في جميع المجالات وإيقاف الاستيراد إلا للضرورة وتحقيق الاكتفاء الذاتي".

رغم اختلافي مع بعض ما تضمنته رسالة الأحزاب والقوى السياسية إلى الرئيس السيسي، إلا أنني أتفق معها في ضرورة إيقاف مفاوضات القرض والإجراءات المرافقة له، والبحث عن حلول بديلة للأزمة الاقتصادية، خصوصا أن الإجراءات المالية والاقتصادية المصاحبة للقرض قاسية على غالبية الشعب، فضلا عن أنها ترفع الدين العام إلى مستوى لم يشهده الاقتصاد المصري من قبل. ولن نأت بجديد هنا عندما نذكر قادة مصر بأن قروض "صندوق النقد الدولي" والإجراءات التي تضطر الدول مرغمة على قبولها وتنفيذها تسببت في تدمير اقتصاديات دول عدة منها على سبيل المثال اليونان والأرجنتين والبرازيل.

وحتى يقرر الرئيس السيسي تغيير الحكومة الفاشلة ومعها محافظ البنك المركزي، عليه إعادة التفكير في قرض "صندوق النقد الدولي" والبحث عن حلول بديلة، ومنها تعيين حكومة اقتصادية من "التكنوقراط" والأخذ بمقترح النائب محمد بدراوي لتأسيس بنك للمصريين بالخارج "يساهم في زيادة تحويلاتهم من جهة ويحد من تفاقم أزمة الدولار من جهة أخرى"، على أن تنتشر فروع البنك في جميع الدول العربية وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى الدول الأوروبية ليسهم فيه المصريون المهاجرون هجرة دائمة من أجل ربطهم وربط أولادهم بوطنهم الأصلي، ويتضمن مقترح بدراوي أيضا تأسيس شركات صرافة وشركات تداول أوراق مالية لتحقيق زيادة ملموسة في نسبة تحويلات المصريين في الخارج.. وبهذا تتحقق مصلحة مصر الاقتصادية ومصلحة المصريين بالخارج.
الجريدة الرسمية